عن شعور اللا درايَة.

مرّ زمنٌ مُذ أن كتبت. لا أدرِ أفاضَت مشاعري فوق حدّ الكلمات، أم أنها تلاشت فما عاد الكلامُ يجِدُها. أشعرُ بالألم في يديّ، ألمُ كلّ النصوص والكلمات التّي تكدّست بين أصابِعي. ما عدتُ تلكَ الصبيّة، شابَت النّفس مِن ضياع المشاعر هذا. أهو ضياعٌ بحق؟ أم أنها متواجدةٌ في قلبي وأنا أرفضُ الانصياع لها؟ شوقٌ قاتل، حبٌّ طائش. وطفولةٌ عارِمة. لا أودّ أن أسمح لكلّ هذه المشاعر بأن تمدّ يدها من خلالي مجدداً، أُحاول أن أدفنها بينَ كلّ ساعات العمل، والانشغال الكاذب؛ والإنجاز البعيد كلّ البعد عن معناه.
لا أدرِ ماذا أشعر؛ أو علّ شعوري هو الـ لا أدري. أنا أشعر باللا أدري كثيراً. أيحبّني؟ أؤحبّه؟ أقادرةٌ أنا على تحمّل الشّوق؟ أراضيةٌ عن الحاضر؟ أمتصالحةٌ مع الماضي؟ والأهمّ؛ هل أدري؟
لا أدري.
لا أملكُ مكاناً للهرَب؛ أو روحاً لتهوِّد ضياعي. أنا أخوضُ حربَ الدرايةِ هذه وحدي.
هل أنا حقاً أعيشُ حلمي؟ أم يا ترى كلّ ذا كذبةٌ مارستُها على نفسي؟ 
لم تكن أنت ضِمن حلمي، ولم يكن الحزن والضياع ضمنه أيضاً. كان حلماً صافياً، نقيّاً كسماءِ الفجر. كنتُ أرى السّعادة حزناً إلى جانب حلاوةِ إحساسي.
توهانُ المشاعر هذا يجعلُ الكتابة أصعب ممّا تبدو. أفتقدُ استمتاعي، وانطلاقي فيها كطفلةٍ وِسط حقلِ تبّاع الشّمس. أصبحت الكتابة متعبة، تضيعُ منّي الكلمات؛ ألاحقها فتنقطع أنفاسي بعد قطع مسافة ما يُعادل كلمتين فقط. الكتابة أثقل مما كانت؛ لا أملكُ ما أكتبُ عنه؛ فقد تاهت مشاعري. سمعتُ الأغاني، وتأملتُ جمالَ السماء، وأغمضتُ عينيّ كي أحلم؛ لكنّي ما وجدتُ إلّا فراغاً مُخيفاً وما سمعتُ إلّا الضياعَ التّام.
أشعرُ أحياناً أنّك ستكون كلّ كتاباتي؛ وأنّني فيكَ قادرةٌ على كتابة ملايين النّصوص الخلّابة؛ لأنّها عنكَ. وفي أحيانٍ أخرى أشعرُ أنّك تخنقني، أنّك تتعمّد قطعَ حبلِ أفكاري حينَ تمرّ بي فكرةُ غيرِك. ولكنّني لا أملكُ حقوقَ الكتابةِ عنك، ولا أريد الكتابة عنك.
أذكرُني قبلَ أن ألقاكَ؛ كان الطّيشُ يُلازم نصوصي. كنتُ أكنبُ بنهمٍ وسخاء، كان لديِ الكثير والكثيرَ مِن النّصوص. أما الآن؛ فأنا لا أملكُ سِوى رُبع نصٍ، وبقايا فكرةٍ، وألمَ شعورٍ مبهمٍ تجاهك. حتى حبّك -هذا الذي سلبَني اندفاعي-؛ يشوبه شعور اللا أدري.
لا أعلمُ إن كنتَ تفهمُني، وأخافُ أن أكتُبَكَ كثيراً فتشعرَ بي؛ ولكن أريدكَ أن تشعرَ بي؛ لكنّي لا أدري. أتأنّى في الكتابةِ خوفاً مِن أن يفيضَ بعضُ الشّعور مِن نصوصي إليك. أنا لستُ متأهبةً لذلك؛ فأنا حتّى هذه اللحظة لا أدري. أخافُ الإشارات والتلميحات وأخافكَ أنتَ أيضاً؛ فالحبّ فتّاك.. ومَن ذا الذي يضعُ سِلاحاً فتّاكاً بين يدي طفلٍ لا يدري؟


أرأيت؟ حتى في حينِ حاولتُ الكتابة عن الكتابة، كتبتُ عنك. وكأنّك مقصديَ الأزليّ هنا. أعطِني فرصة الاختيار؛ أن أختار الكتابة عنك، لا أن أنساقَ إليها دونَ دراية. إنّني تعبتُ مِن الـ لا أدري، وأقلّ مُنى نفسي هو أن أدري ما سأكتب

تعليقات

المشاركات الشائعة