أَؤُحرَم؟

وفي سُجود ما قبل التّوديع بكيت..
"لِمَ ياربّ كلّ أكوامِ الألمِ هذه؟ لِم أُودّع الراحلين فقط ، ولا أكون منهُم..؟
أؤحرم الإصطفاء للسّعي معهُم؟ إنّني سقيمٌ ودوائي في تلكَ الدُروب المطويّة على الكرامات ، ألا تهِب لي الرّحيل؟
لربّما الحرمان خيرة.. في العام القادم بإذن الله.."
أتمالكُ جِراحي وأحاول السّيطرة على نزيفها..
أرفعُ رأسي ، باتّجاههِ هو فقط ، مُنكراً كلّ الجهات..
"السّلامُ عليكَ يا أبا عبدالله ورحمةُ الله وبركاته"
علّ سلامي يصل ، علّه يردّ السلام ، علّني أزورهُ روحيًّا.
أقومُ وقد اغتسلتُ في سجودي غسل الدّموع..
أقوم وأنا أقبضُ قلبي كي لا أتهاوى ألماً أمام الراحلين..
أُحاول تصبيري ، في العام المُقبل سنذهَب ، روحي وجسَدي سويّاً..
ربّما قد كتبَ اللهُ لنا رحيلاً أعظم.. كرحيلٍ دون رجعةٍ على سبيل المثال ، رحيلٌ يُختم باستشهادٍ فتقرّبٍ فعروجٍ إليه.
-
توديع:
أراهُم والرّايات ترفّ فوق أرؤُسِهم ، أراهُم والإبتسامة بعد طول انكِسارٍ تعلو شفتَيهم ، أرى سيماهُم في وُجوههم..
وفي لحظة الوداع.. أضمّهم بشدّة -علّ بعضي يلتصقُ بهم فأزورُ معهم-
أبتلعُ دُموعي المتسرطنة داخلي كي لا تفضحَ شوقي..
وكسؤالٍ -قاتلٍ- أخير ، أُسأل..
-لم لا تأتِ معنا؟
-لم يشملني التّوفيق هذا العام ، قلدناكم الدّعاء والزيارة..
تتحشرجُ الدّموع في حنجرتي..
-اعتنوا بأنفسكُم جيداً..
-نحنُ مشمولون في الرّحمة الإلهية ، لا خوف علينا..
أُقبّلهُم ثمّ أتوجّه للوداع الأخير..
-نسألكُم الدّعاء ، اذكُرونا في دَعواتكُم..
-لا ، بل نحنُ نسألكم
إن شاءالله..
عجبًا لزائرٍ مشمولٍ في العناية الإلهيّة ، يسيرُ بجانبه حجّة الله في أرضه ويطلبنا الدّعاء..
نحنُ في حاجةَ للدعاء ، نحنُ المقتولون حرماناً من كربلاء..
-
في عالمٍ آخر؛
كُنت معهُم ، والله قد كُنت معهم أسعى ، كُنت بين الجُموع المُترامية حبًا نحو كربلاء..
كانت الرايةُ ترفّ في يدي ، وكان الغبارُ يغطّي ثيابي ، وكُنت أسمع تلكَ الكلمات التي لطالما تمنّيتُ سماعها "هلا بزوّار بوعلي ، هلا بيهم"..
رأيتُني مُستلقياً في مضيفٍ ما ، رأيتني أركضُ والرّاية تعلو ، رأيتني زائراً يتبركُ المحروم بي -كما كنت أنا- رأيتُني حلماً كان وتحقق..
وعلى أطرافِ الوصول ، أتاني رجلٌ عظيمُ الهيئة نورانيُّ الوجه
-تقبل الله زيارتكُم ، نسألكم الدعاء..
-وأنتم من أهل الدّعاء..
ثمّ استيقظت..
-
كانَ مُجردَ حُلم ، حلم فقط كباقي أحلامي التي بقَت دون أن تتحقق..
وبعد مُرور لحظاتٍ ليست بقليلة ، أتاني اتّصالٌ من ذلك الزّائر..
-هل أتتكَ زيارةٌ من حيثُ اللا أدري وصِرت في رِكابنا؟!
-أتمنى ولكن لا..
-أتحلُف بالله يا أخي؟
-إي والله ، لِم؟
-أكادُ أُقسم أنني رأيتُكَ ماشياً بينَ الجُموع بوجهٍ نورانيٍّ والراية تصلُ لصدر السّماء وهي ترفّ بين يديك ، وكُنت بين الحين والآخر تبتسم وتُحادث من لا نراه وتقول "فداكَ نفسي يا ابن الحُسين"..

تعليقات

المشاركات الشائعة