حنان الله.


مُذ أن وُلدت وأنا بين أكفّ حنان الله. لم أكن أدري. لم أكن أدري أنّني قد كُنت -قبل أن أولد- في وعاءٍ من رَوْح الله. لم أكُن أدري أنّ الله يحبّني بشدّةٍ أن وهَبني حبّه متجسّداً في بشَر.

لطالَما هربتُ منّي ومن حياتي البائسة، فأنا جبانة. كثيراً ما أهرُب، ودائماً ما ألجأ إليها. أخافُ أن أشكي لله، أشعر أنّي لستُ كفؤاً؛ فأبكي على كتِفها حتّى ترفع الملائكة دموعي لله. أعلم إنّي إذا ما بكيتُ في حجرها ستذكرني هيَ بينَ يديّ الله.

الحياةُ شاقة، وأنا متيقّنةٌ أنّني ما كُنت لأصل هنا وحدي، روحيَ الهزيلة ما كانت لتقدر على المضيّ حتى مكاني هذا. إنّها هيَ التي أخذَتني بيدِها، هيَ التي مدّت يدَها حينَ سقطت، وبلّلَت طرفَ ملابسها بدمعي. هيَ التي شفَت ضعفي، وتقَبلتني كما أنا على الرّغم من علّاتي. هيَ فقط من لا أظنّ أنها ستكرهني يوماً. لا أحدَ له فضلٌ عليّ إلا هي، لم آذي أحداً في الحياة إلّا هي، لا أحد ما زالَ يحبّني -وسأحبّه ما حيَيْت- إلا هي.

أملكُ من الملامح ما يشبهها، وهذا يكفي. لم أرَ على وجه الأرض امرأةً أجملَ منها. لم أرَ أحداً يملكُ من الحبّ والجمال والحنان كما تملكُ هي. كم أتمنّى أن أكون هيَ في المستقبل، بذات القلبِ والجمالِ والطيبَةِ والعقل. عِندما أكون في حَضْرتها، أشعرُ بأن الملائكة معَنا. أحبّ حديثها عن الله، أحبّ إيمانها، أحبّ حديثها عن أولياء الله. لم أجِد أحداً كما هي، ولن أجِد.
أكرهُ أن أراها تبكي، مؤلمٌ أن ترى الجنّة تبكي. أكرهُ حينَ تتلاشى الابتسامةُ عن وجهها. أكرهُ أن تؤذيها الحياة.

مُنذ أول يومٍ ناديتُها فيه "ماما" وأنا أحاولُ جاهدةً أن أكون البنتَ التي تمنّتها. أريدُ أن أكون نبعَ فرحٍ في قلبها، نبعاً لا يجفّ أبداً.
-
عيدُ الأم يُصادف يوم الشِّعر، وما هذه بصدفة. فمَن القصيدةُ غيرَ الأُم؟ ومن الأُم غيرَ قصيدةِ مشاعرٍ وحب؟

تعليقات

المشاركات الشائعة