"فإنَّكَ بِأعْيُنِنا"

أن تحمِيَني مِن الشّعور بالوِحدة وأنا غارقٌ بها, أن تُشعل في قرارةِ صدْري دِفء تَحْنانِكَ على الرّغم مِن خِصام الشّمس مع مدينَتي:
يعني أنّكَ هُنا.. 
لا هُناك, لا في السّماء ولا خلفَ دعواتِ المؤمنين.. بل هُنا, في قلبي المُتعَبِ رثّ الإيمان.

أنتَ صوتُ الحُب في أذني رُغم هدوء المكان, وحضنُ امي والمسافاتُ تُبعدها, ودِفءُ الصيْفِ والليالي تُورثِني رعشةَ الشّتاء.
كنتُ أقتلعُ الحياةَ مِن روحي بتِكرار أسئلتي عن المجهول, كيفَ لي؟ ومِن أين لي؟ ومتى؟ الاستفهاماتُ تُؤرقُني, كما في طفولتي, إلّا أن الأجوِبة أعظمُ مِمّا كانت عليه, الأجوبةُ مصيريّة;
ولأنها كذلك, ولأنني لستُ بالعبدِ الصبورِ, قنطت مِن رحمَتِك, وسقطتّ في غيْهبِ أسئِلتي حتى تِهت, حتى صِرتُ أجوبُ أصقاع نفسي باحثاً عن الجواب فلا أجد سوى الفراغ.
أنا جاهل. لمْ أعد أعرِف شيئاً سِوى أنني أعيشُ كيْ أُنهي المدّة التي كتبتَ لي أن أعيشها. ضاعت أجوبَتي فضِعت وأستسلمتُ مُعلناً هزيمتي.
نسيتُ وعدَك "فإنّكَ بأعيُننا"..

تنظُرُ إليّ فتحلَ شتّى مشاكِلي, تمسحُ عن عيني غشاوَتها, تُلهمني الإجابات. تُمطرني بالإشارةِ تلوَ الأخرى, فأعلمُ أنّك كُنت تقبضُ الأجوبة حتى يحينَ موعِدها. "فلعلَ الذي أبطأ عنَي هوَ خيرٌ لي, لعِلمكَ بعاقبةِ الأمور".
وما تأخيرُكَ لظهورِ الإجاباتِ إلا حمايةً لي, ولكنَك ما لقيتَ مِنَي سوى القنوط والبُعد عنك.

رحلتُ عن أراضيكَ المُقدّسة فأرسلت رحمتكَ إلى حيثُ أبيت, "فلمْ يمنَعكَ ذلكَ مِن الرّحمة بي والإحسانِ إليّ", وبَكيتُ حتى أجهدتُ قلبي لأنني ما عِدت أدري أموجودٌ أنت إلى جانبي أم لا.. شككتُ ولكنكَ دلَلتني. خذلتُكَ وما خذلتَني, "فلَم أرَ مولىً كريماً أصبرَ على عبدٍ لئيمٍ مِنكَ عليّ ياربّ".

"فاللهُ أحمدُ شيْءٍ عِندي وأحقُّ بحَمدي". لا طاقة لي على شُكرِكَ إذْ كُنتَ الحياةَ حينَ أحسستُ بالموْت, بل أشكُركَ لأنكَ لم تقطع السّبيل إليك. إنني ما برِحتُ أترنَحُ في الدّنيا مُبتعِداً عنكَ حتى أتعثّر وأعود إليكَ مليئاً بالجِراح, ولكننكَ ما رددْتَني قط, فكلَُ جِراحي مُضمّدةٌ بِبلسَم عطفِك. وإنني على الرّغم مِن كلَ البعدِ الذي أُسببه, حينَ أنوي الرجوع إليك أرى المسافاتَ تنطوي, "وأن الرّاحل إليكَ قريبُ المسافة".
أوَكيفَ لعبدٍ ذليلٍ كإيّاي أن يكون ربّه أنت؟  فالشّكر لكَ إذ أخذتَني في كنفِكَ ودثّرتَني بكرمِكَ رغم رثّ ما يكسي الرّوح في داخلي, حتى صيّرتَني عزيزاً بينَ العِباد, مُقتبساً ذلكَ مِنكَ أيّها العزيز. الآنَ لا أخشى ضياعَ الأجوِبةَ ولا كثرة السؤال, فمهما عظُم الأمر فالجوابُ أنت, وأنى ضِعتُ لا خوفَ عليّ فإنّي راجِعٌ إليك. 

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة