أمّي؛ يا وطَني..

مُتعِبةٌ فِكرة الاستيقاظِ من شدّة الهدوء. الهدوءُ أكثرُ إزعاجاً مِمّا توقعتُ يا أمّي. كُنت أتوقُ له؛ حتى تبيّن لي أنّه أشدّ وطأةً على نفسي مِن الموْت. للهدوءِ الآن رائحة البُعد، لِذا فأنا لا أقدِرُ على تحمّله.. كُنتِ أنتِ السّكينةَ في صدْري، حقيقةُ أنّني متى ما تداعَت أركانُ روحيَ هرِبتُ إلى كنَفكِ كانت كافِيةً لتهدئة الصراعات في داخِلي.
بعدَ أن تذوّقتُ الرّحيل أيقنتُ أنّني لا أحبّ الهدوء  -بل أمقتُه-، ولكنّني أحبّ هدوءَ روحي بكِ.
أشعرُ بثِقل الأكوانِ في رأسي الآن، رِجْلايَ أكثرُ وهْنًا مِن ورقةٍ استنزفَها الخريف، ونبضاتُ قلبي تركض، قاطِعةً آلافَ الأميالِ كيْ تستقِرّ بالقرب منكِ. أنا هشّةٌ يا أمي. كالطّفلة التي رامَت الفوْزَ بحضْنِك، والتي قضَت كلّ حياتِها بالاختباءِ خلفَكِ مِن الدّنيا.. ما عدتُ أُجيدُ هذا الاختباءَ الآن، لقد خسِرت، وأُجبِرتُ على النّضوجِ والبُعدِ عنكِ. ما عِدتُ أشعرُ بالصّباحاتِ يا أمّي، لا الشّمسُ تحنّ على غُربَتي ولا رائحةُ قهوتكِ تُسافرُ لي. آهٍ يا قهوَتكِ، ما كُنت أدري أنّني سأتوقُ لعدوٍّ إلى هذا الحدّ المؤلِم.. أشتاقُك، وما ترجمتُ اشتياقي إلّا بألمٍ حارٍّ ينزفُ على خدّي قُبيلَ النّوم، وأنتِ -يا جنّة المُشتاق-، يا وطَنيَ الحقّ، لا تدْرين بِآلامِ البعيدِ عن وطنه..
خُطى الأيام تتثاقلُ مع اقتراب اللّقيا، ولكنّني أُجاهِدها. الرّوح تنزعُ إليكم، والعيْنُ ما انفكّت ترسمكم في فراغاتِ المناظِر مُوقِنةً بقُربكُم، والقلبُ مُنتظِرٌ عِندَ عتبةِ الدّار أنّى موعدُ الرّحيلِ إليْكُم..

تعليقات

المشاركات الشائعة