كاتِب قصّتي

كتبتُ عَن أُمنية؛ وذكرتُ حبّها لحُر. كتبتُ تفاصيلَ فُقدانِها للحبيب، تفاصيلَ التعويضِ الإلهيّ بابنها. رسمتُ خارِطة أحلامها، وصفتُ مشاعِرها وأتفه صغائرِ طفولتها. وبعد مرور سنين، بعد أن نضجَت الطِفلة التي كتبت القصة.. استوقفَني الأمر: مَن أنا كيْ أحدّد مصيرها؟
كيفَ لي أن أتحكّم بأحلامها، أن أربط نهاية قصّتها بمزاجي المتقلّب. كيف تجرّأت أن أشاركها باختيار اسم ابنها، وأن أصِف مشاعِر حبّها المتخبّئة خلف أضلعها، وأن أتمرّغ في الجرح الذي خلّفه فقدان جدّها؛ كيفَ لي أن أقرّر فقدان هذه الفتاة الهشّة لحبيب طفولتها؟
وكأنّي فتحتُ صدرها على مِصراعيهِ ونهبتُ كلّ ما تخبّئ مِن مشاعرٍ وإنسانيّة. لا يحقّ لي -أو لأيّ إنسانٍ آخر- أن يكتب قصّة. أن يخلقَ روحاً مِن العدمِ ويُحملها ما يشتهي مِن الآلام. إنّ الشخوص تولَدُ مِن رحِم الأماني، ولكنّها رُغم هذا تُكابِد الآلام في الحُب.
-
كتبتُ عن أُمنية ما ملَته عليّ أحلامي؛ وعِندما حالَ الأمر لحياتي، عجِزت أن أكتب ما أريد. لم أستطِع أن أُترجم أحلامي للواقع؛ ذلك الحبُّ البريء، لم أرَه. والحياة الأشبه بالأُغنية، احتوَت الكثير مِن البُكائيّات، والأماني المُتحققة، شابَها العَجْز.
ثمّ أتيتَ أنت. لم أُرِد أن أضعكَ في قلبي؛ ولكنّه حواكَ وقَلاني. سيّرني هواكَ كما يشاء، جفّت أقلامي، واشتعلَت أوراقي.. ما عدى تلكَ التي حوَت طيفَك. عجزت عن ألّا أحبّك، وعجزتُ عن وصفِ حبي كما فعلتُ بمشاعِر أُمنية. ظننتُكَ أبعد ما يكون عن المُراد، ولكنّك صِرت مُنايَ الأوْحد. لَمْ أستطِع أن أُمسِك بزمامِ مشاعري، لقد فرّت هربًا مِنّي إليك.

أنت، أنتَ مَن يكتبُ قصّتي الآن؛ لا أحدَ سِوى حبّك يتحكَمُ بمصيري. وكأنّي الآن أشعرُ بكلّ ما مرّت به الشخوص مِن العَجز وقلّة الحيلة. آهٍ يا قلّة حيلَتي وأنا أنظرُ روحيَ تنسلخُ منْ حَقيقَتي طالبةً زيفَ كنَفِك.. وآهٍ؛ بلْ آهٍ سرْمدًا مِن جمالِ وجودِك. لا شيءَ سِواكَ الآن يُثبت لي أحقيّة المرء في أن يعيش؛ وعلّة استحقاقِ حياتي لأن أعيشَها هوَ وجودُكَ فيها. أما رأيتَ الضَحِك الذي أغرقُ فيهِ وأنا معَك؟ إنّه ضَحِكٌ بطَعمِ الجنّة.
أيا علّة حياتي، وكاتِبَ قصّتي. دعْني أعيشكَ دونَ سبق التّخطيط؛ وأعدكَ ألّا أكتبَ عَن حياةِ شخصيةٍ -وإن كانَت مِن وحي الخيال-، وأن لا أخطّط لآلامها وأفراحها.. ما دُمتَ تهِبني حلاوةَ العيْشِ معك, دونَ سبقِ كتابة.


تعليقات

المشاركات الشائعة