بيْن لهفةٍ وتردّد.

المطارُ مُكتظٌّ بأمتِعة الرّوح. ذاك المِسكينُ يحملُ حُزن البُعد على ظهرِه؛ ممّا سبب بانحنائه؛ مُتعذّراً بثقل الحقيبة. أمّا تلكَ التي تكادُ أن تَنبُتَ أجنِحةٌ بَيْن شفَرات كتفَيْها فهيَ توشكُ على إخماد نارٍ توقّدت بالشّوق أشهراً طِوال. وهُناكَ مَن يُصارِع الشّعورَين. يخافُ بُعدَ مَن هُنا ويَتوقُ لرؤية مَن هُناك.

رائحةُ المطارِ عطرٌ مركّزٌ ودموع، تعبٌ ورائحة أرواحٍ توّاقة. جوّه يحملُ القليل مِن الهواء، والكثيرَ الكثيرَ مِن المشاعر. إنّه القاصُّ الأكبرُ على وجهِ الأرض. رَ وجوهَ المُسافِرين تعرِف قصصهُم. انظر هِيامَهُم إن مرّت بهم رائحة الحبيب. سترى جفوناً ما هنئت في ليلِها، وأخرى يقطرُ مِنها الحُب والسّكينة.

ومِن بيْن تِلكَ الوجوه كُنتُ أنا؛ ومع المشاعِر التي تطفو في الجوّ كانت تحومُ مشاعري. أوّل مرّةٍ أعودُ إلى الوطَنِ حاملةً شعورَ الشّوق. أوّل مرّةٍ أعودُ وأنا أناقضُ نفسي لهفةً وتردّداً. لو كنّا معًا. لو أقدرُ على أن آخذَ بعضاً مِنك بينَ أضلُعي؛ لما تردّدت. لازمَتني رائحةُ عطرك طوال الدّرب. أشعرُ بهِ أنّى قرَصَني فؤادي شوْقاً. وما يُفاقمُ حزنَ اشتياقي إليك سوى مُلازمتكَ لقلبي وعقلي. أُغمضُ عينيّ فأراكَ كما اعتدْتُكَ أمامَ ناظِري والابتسامةُ تعلو وجهك. أحاولُ أن أهيمَ في الفضاءِ أمامي فيلوحُني طيفُكَ بينَ النّاس.

ما كانَ برِضاً مِنّي ما فعلتَه بقلبي. تردّد صدى كلّ ضحكةٍ طفوليّةٍ أهدَيتَني إيّاها في صدْري، حتّى تدافعت كلّها مسبّبةً صدْعاً فيه. لمْ أكُن أنوي هذا الحُب، أو هذا القُرب. إنّني لَمْ أشَأ ضياعي بينَ لهفةٍ وتردّدٍ في المطّار؛ ولم أرِد أن تكونَ أنتَ السّبب. ولكنّني تردّدت، وكنتَ أنت علّة تردّدي. وأنا أشتاقكَ مُذ صِرت قريباً مِنّي، مُنذ أن تعرّفتُ فِكرة البُعد عنك؛ ولا حولَ ليَ ولا قوّة.


تعليقات

المشاركات الشائعة