قصّتي


على غيرِ المُعتاد، هي قصّةٌ تخصّني ولكنّي لمْ أشهد أوّلها.
علّها بدأت مُنذْ أربَعين سنة؛ عِندما اعتادَت أمّي سماعَ جدّتها تناديكَ "يا عزيزَ الزّهراءِ" مع كلّ نفس. بدأت مُذ صِرت أنتَ أصلَ قلبِها؛ حتّى غذّتني ممّا أعطيْتها مِن حُب. وربّما تكون بدأت في أوّل حياتي، في أيّامٍ لا أذكُرها. مِن الممكن أن تكونَ بداية القصةِ في ذلكَ المهدِ الذي نمتُ فيه وسطَ مجلسِك.

كبرتُ وأصبحت قصّتي معكَ أوضَح. أخذتَ بيَدي، علّمتَني البُكاء على المظلوم، ونصرتَه. ربّيْتني بتاريخكَ على حُسنِ الخُلق، على الخلقِ العظيمِ الذي يُمتدحُ بهِ جدّك -صلىٰ الله عليهِ وآله-
"ولهُ خلقٌ لوْ جاورَ الصّخرَ طبعهُ؛
لفضّلت الخنساءُ صخْراً على صخرِ"
-الشّيخ باقر الجديّ.

وهبتَني القوّة والصّبر. مسحتَ على قلبي الضغيف بيدكَ النّورانية طوال عمري؛ علّه مِن أجلها هي. أحببتُ ذلكَ الشّعور الذي يجتاحُني كلّما أحسستُ بحضوركَ جنبي. علّمتني أمّي أن الأمانَ أنت. وأنّني أنى تُهت فنورُك هُنا ليدلّني. ما كُنت أفهم هذا في صِغري، فالرّوح كانت نقيّةً بالحُزن عليك. كانت بخفّة الغيْمِ لحضوركَ فيها.
كبرت. والأيّامُ جرفتني إلى البُعدِ والنأيْ. ضاعَ منّي ذاك النقاء، وتلكَ الخفّة، وما سمحتَ أنتَ بأن أُكمل ضياعي. كلّ دعائها، وحبّها لك، وقُربها منكَ، شفعَ ليَ نكراني وذنبي.
آتيكَ الآن بكلّ تيهي وضعْفي وفقري. آتيكَ ولا دمعَ عِندي. أبكِني عليك؛ ردّ هذا البلقعَ الذي في قلْبي لجنّةٍ آمنةٍ بحبّك. لا مِن أجلي؛ بل مِن أجلِ من ذكّرتني بكَ متى ما استعصت عليّ الحياة. مِن أجل إيمانِها بك. آتيكَ طالباً ما لا يُذكرُ مِن كثيرِ نورك؛ فالظلامُ حالكٌ في داخلي.. وأنا يا سيّدي أعيشُ التيْه في نفسي دونَك.
آتيكَ الآن كي تردّني بنقاءِ طفولتي. كي تساعدني على البكاء عليك. كي تصيّرني انسانًا صالحاً؛ لأنّك يا سيّدي الحُسين سفينةُ نجاتي، ومصباح هُداي.
أقفُ على بابِ عزائكَ سائلًا السّماح، والدّموع.. الكثيرَ مِن الدّموع وما يكفي مِنها كيْ تغتسِل هذه الرّوح مِن دنسِ دُنياها. واقفٌ أنا على أبوابِ محرّمكَ يا سيّدي راجياً النقاء والقُربَ مِنك.

تعليقات

المشاركات الشائعة