أيّ عيد؟

عن أيّ عيدٍ تتحدّثون؟
ألا زال العيد يأتي؟ لِم إذًا لم يدقّ بابي مُنذ سنتين؟
إنني أنتظره، منذ ذاك اليوم الذي شدّ فيه الرّحال واختفى
ذلك اليوم.. الذي تعرضت فيه لأول فقد
منذ عامين
وأنا لم أرَ العيد.
أجوب أصقاع الذاكرة باحثةً عنه، فلا أذكره إلا مُبتدئاً بقبلةٍ على رأس جدي
الأعياد التي تخلو من هذه البداية عارية من الواقع، ليست بِعيدٍ أبدًا.
هذه الأيام باردة، جافة، ومليئة بشظايا الذكريات المؤلمة.
توقظني رائحة الطيب التي تخنق المكان بذكرياته
فأرى طيفه يمرّ أمامي، مرتديًا ثوبه، شامخًا يكسوه الوقار فأدنو منه..
ويختفي..
إنه.. غير موجود.
كطيرٍ جائع؛ أبحثُ عن فتات الفرح على رأس جثّة العيد المصلوبة، فألقاها خاويةً على عروشها، تتضوّر جوعًا لروح الفرح كإياي
رحلت البهجة برحيله.
-
يرحل الليل.. وتأتي الشمسُ بكامل حلّتها وغرورها تفرش أنوارها على ساحة العالم ممزوجةً بإشراقة العيد، وبينما هي تنشر ضياءها؛ تنساني
تبقى البقعة التي تحملُني مُظلمة، مُجرّدة من النور والفرح
لِم؟ لأنني لم أستعِد للعيد
لأن الفقد قد أكل قلبي والبَين قد نخَر عظامي
فصِرت وحيدة ، مطرودةً من ملاجئ العيد.
مشرّدة ، أبحث عن ملجئٍ يلفيني، فملاجئ العيد امتلأت
لا يقبل بي، إلا ذاك الملجأ المهجور
ملجأ الحيارى، الفاقدين.
مرحبٌ بي هناك.
-
الكل قد أخذ حصته من العيد، وبقيتُ أنا فقيرةً إليها..
أطلبها.. ولا أحد قادر على أن يهبني إياها
فحصّتي من العيد تتوسّد تلك الأضلع التي غطاها الثرى.
أين عيدي؟
إنه هُناك.. ستجده في خريطة المقابر
موجودٌ بين قبور الـ٣شوال-١٤٣٥هـ
ستعرف القبر من رائحته، من النّسيم الذي يمرّ به
سترى عيدًا مسلوبًا فوق هذا القبر، عيدًا خطفه الموت بمخالبه
وردّه لأصحابه.. ميّتًا.
الأرض تستمتع بالعيد وتفرح، تلبس الجديد وتنتظر الهدايا وتستيقظ مبكرًا كي تقبل رأس من توسّدها. التراب يلقي نفسه في أحضان جدي ويضمّه بشدّةٍ ويبتسم، ومن ثمّ يقول له "مباركٌ عيدك"
التراب قد سرق دوري. وسرق جدي مني.
وأنا.. التي لها كامل الحق بأن تفعل كل هذا، محرومةٌ منه.
لا أستطيع ضمّه ولا التبسّم بوجهه ولا تقبيل رأسه، سُلبت كلّ حقوقي.
ولم يُترك لي سوى شاهد القبر. شاهد القبر الذي تركتُ عليه القبلات التي لم يكن جدي حاضرًا كي أعطيها إياه
كي يوصلها له.
لم يبقَ لي إلا شاهد القبر، والورود، والماء، وسورة يس.
ولا ننسَ؛ عيدًا حائرًا فارغاً منه
تترددُ فيه أصداء اللهفة.

تعليقات

المشاركات الشائعة