آخر رسالة

-بينما يمضغني العالم،
أكتبُ لكم ما أظنّ أنّها آخر رسالةٍ لي -قبل أن يبتلعني العالم بأكملي-. أظنّ أنها أول رسالةٍ أيضاً، أنا لم أكتُب أيّ رسالةٍ أبداً
ما عدا تلكَ التي رسمتُ في كلّ أعياد الأمّ وقدّمتها لأمي مع كتابة "أحبكِ" بخطٍ مائلٍ وغير مفهوم،
ولكنّها كانت تفهمه، كان مليئاً بالحياة والحب، مثلها.
أما الآن؛ فأنا أعاني من اضطرابٍ حادٍ في المشاعر، أملكُ الكثير، الكثير منها. روحي تفيضُ بها، تُغرقني. ومع ذلك، لا أقوَ على التعبير عنها، فقدتُ ذاك الخط المائل والأحرف الكبيرة، فقدتُ القلوب التي أرسمها في جميع أنحاء الصفحة، فقدتُ الجهرَ بالمشاعر. وبالأخص، تلكَ التي تحوي قليلاً من الحب.
اعلَم -يا من تقرأ رسالتي- أنني لم أعِش حياةً طبيعيةً قط. كنتُ منذ الطفولة تلكَ التي تحيطُ بها هالةٌ من الهدوء المرعب. كبرتُ على ما كنتُ عليه. ولكنني أحبّ نفسي هكذا. خلقتُ كي أكون عكسَ أقراني. هادئة، لا أسبب إزعاجاً للعالم. نضجتُ وأنا لا أزالُ كومة المشاعر المضطربة تلك، لا أزال تلك التي تكره الوحدة ومع ذلك تخوضُها، لأنها تكره البشر. البشرُ مزعجون، لا أحبّ سوء نواياهم وسوء ظنونهم.
اعلَم أنني عندما صرتُ في سنّ الشباب شعرتُ أنّي شبت. شعرتُ أن الحياة قد شاخَت في داخلي، وأن الكلامَ قد ذبل وهو يحاول الوصول لتركيبةٍ تشرحُ ما أشعرُ به.
واعلَم أيضاً -لقد فتحتُ قلبي كثيراً- أنني عانيتُ من عدم الإيمان المفرط. أنني عشتُ الكثير من لحظات الوهن. ولكنني في نهاية اليوم أتيقّنُ أنّه في كل مكان، أنّني بعينه.
أريدكَ أن تعرفَ أيضاً أنّ جسدي كان يحمل ما لا يحويه جسد. أنني لم أكُن إلا حلماً هائلاً يكسوه جلد. لطالما كان حلمي أن أكون أداة شفاءٍ من الله، أن أمنَح من الحبّ كما مُنِحتُ وأكثر. أن أنقذَ ما يُمكن انقاذه من براءة الطفولة.
-أتمنى أن أكون قد حققت حلمي قبل أن تُقرأ هذه الرسالة-
على أيٍ ياعزيزي، أتمنى أن تستمتع بحياتك، وأن تعيش وتحلم. كما تودّ وتشاء.

تعليقات

المشاركات الشائعة