بحثٌ عن المفقود.

١٢:٠٠ص
لقد مرّت أربعُ ساعاتٍ كاملة ، مِئتان وأربعون دقيقة ، وأنا حبيسةُ ذلكَ المكتب القديم. إنّني أبحثُ عن شيءٍ ما ، أبحثُ عن ذلك الـ لا أدري!
ما أدريه فقط هو أنّني ناقصةٌ دونه ، أنني أحتاجه.
لم أجِد طريقةً أمثل من الكتابة للبحث ، كتبتُ كلّ ما خطرَ على بالي. لملمتُ النّثر المَنثور ، خللتُ بأوزان الشِعر ، وكسرتُ قوافيَ القصائد. عبثتُ بالكتابة كالطفلة تماماً. لُطِّخت يدايَ بالرّصاص ، وأخذت دمائي تسيلُ من الجروح الصغيرةِ القابعة في راحةِ يديَّ فجأةً ، دون أن أشعر بها أو بنزيفها! إنّ الأوراق أخذت تغضبُ مني. مزّقتُها وجرحتُها وشققتُ أصدُرها بالقلم. يجب عليَ التوقف ، البحثُ لا يُجدي ، وروحي قد تهالكت. سأرتاحُ وأكمل غداً.
-
١٢:٠٥ص
وقفتُ وارتجلتُ من على الكرسي ، هذا العرشِ ذو السلطان والقوى ، التي لا يملكُها سواي. رجلاي تُؤلماني ، لم أمشِ مُنذ زمن! إنّني أمشي على أسطر الورقِ فقط. أطفأتُ تلكَ الشمعة شبه الذائبة ، كانت على وشك أن تنطفئ في الأساس ، ولكنني أتلذذ القتل / والموت الرحيم.
١٢:٠٦ص
مشيتُ بضع خطواتٍ وسط الظلام. أدركتُ طريقي إلى غرفتي ، لا أدري كيف ، ولكن وكأن يداً ما تجرّني كي لا أتعثر. دخلتُ الغرفة ، وأغلقتُ الباب ، كان الظلامُ حالكاً ، وكأنني لا أبصر سوى السواد. رميتُ نفسي على السَرير. تنهدت. ارخيتُ يدايَ وجعلتُ الدم يسيل ويلوّث الغطاء ، لا أبالي. إن الوهن يفوقني قوّة ، سأنام.
١٢:١١ص
إنني لا أزالُ في صراعٍ مع النوم. لا ، أنا نائمة ، نائمةٌ تماماً ، ولكنني أشعرُ بكلّ ما يدور حولي. إنني أسمعُ صوت تضاربُ الحشائش ، وسقوط السكّر من على ظهر النّملة ، هذا التركيزُ الزائد يؤلمني ولا يفيدني. أملك كل هذا التركيز ولا أزال أبحث عمّا فقدت!
١٢:١٣ص
درتُ رأسي ووضعتُ الوسادة على أُذنيّ لأنعزل عن كل ذلك الإزعاج ، فبدأتُ استمعُ لصوت تضارب القطن داخل الوسادة! سئمتُ حقاً ، إن ضوضاء التركيز هذه تؤلمني. وكلّ هذا بسبب "الكتابة".
١٢:١٥ص
بدأتُ استمعُ لصوتٍ غريب ، إنني أسمعهُ لأول مرةٍ في هذا الكوخ الهادئ -بعيداً عن ضوضائه الخفيّة- ، النّائي ، الذي يأويني أنا فقط ، لا أحد سوايَ أنا والأوراق.
١٢:١٧ص
نظرتُ أسفل الباب ، تلك الحافة المكسورة التي لا أقوى على تصليحها. رأيتُ ظلّ خطوات إنسان. أكملتُ التحديقَ لأنه من المستحيل أن يكون هناك وجودٌ لأحدٍ غيري ، مُستحيل!
لا ، حقاً إنه ظل. أمعنتُ النظر كثيراً ، كانت الأقدامُ صغيرةً ، طفوليّة. أخذت تقترب ، أكثر فأكثر. وأنا ، مُستلقيةً في فراشي ، مُتدثّرة ، مُختبئة.
١٢:١٨ص
زاد الاقتراب ، ليسَ بيني وبينَ ذلك الظل سوى "الباب"! وحالما اقترب ، بان ظلٌ آخر. ظلٌ أشبه ب"دمية"! مُمسكٌ بها الطفل ذاك. إنّهم يقتربون ، يقتربون جداً. وأنا لا أزال "مُتدثّرة".
١٢:١٩ص
أمسكَ الظلّ بقبضة الباب. خرجَ صوت الصَرير من المفاصل الصَدِئة ، ذلك الصوتُ المرعب الذي يجبرني على فتح الباب بسرعةٍ شديدةٍ لتفاديه. ولكنه الآن يَستفرغ قوى صريره التي كبتها كلّ تلك السنين ؛ لأنه يفتح ببطئٍ شديدٍ جداً الآن ، سينتقم. لَفّ مقبض البابِ مرّتين ودفعه. ثمّ... اختفى!
١٢:٢١ص
أنا ، والباب المَفتوح على مصراعيه ، لا أحد سوانا. ذلك الظل ، وتلك الدمية ... تبخرا!
١٢:٢٢ص
قمت من مكاني ، أقنعتُ نفسي أن عقلي بدأ يفقدُ عقله! أغلقت الباب. كلّ هذه توهّمات. إنّ الريح قويّةٌ جداً في الخارج ، من المؤكد أنها هي التي فتحت الباب.
لأن... لا يوجد أحدٌ غيري!
١٢:٢٥ص
كُنت في فراشي مجدداً ، متدثّرة. سمعتُ صوتَ همسٍ يُناديني ، هُناك ، نحوَ المِرآة. رفعتُ رأسي ، نظرتُ إلى المرآةِ ، كانَ الظِل!
إن الظل ظل طفلةَ ودميتها الفارغة من القطن. إن الظل تجسدَ في داخل المرآة وناداني "تعالي ، أنتِ هُنا"
١٢:٢٦ص
قمتُ من مكاني ، مشيتُ كالمَنّوَّمِ مغناطيسياً للمرآةِ ، نظرتُ للفتاة الصَغيرةِ وحدّقتُ في وجنتيها المدميّتين ، وثيابها البالية ، وعينيها الباكيتين بُكاء يعقوب. مدّت يدها ، حيّتني ، رحبت بيَ للدخول.
ورحت.... أخترقُ المرآة
١٢:٢٨ص
إن هذه الطفلةُ.. أنا. لم أكن أكذب بحقيقة أنني وحدي في هذا الكوخ. إنني لقيتُ ما كان مفقوداً ، ما كُنت أمضي الليالي بأطولها صراعاً للبحث عنه. وجدتُ طفولتي الضائعة ، التي سكنت في تلكَ المرآة الباردة طوال السنين ، دون أن أشعر بوجودها. عثرتُ على بقيّتي. سأعيشُ الآن دون معاناةٍ لأجدها. سأعيش بسلامٍ معها.

تعليقات

المشاركات الشائعة