جنّة الكتابة.

٣١/يناير/٢٠١٤م.

إنّ الحياةُ شِتاءٌ باردٌ زمهرير. الريحُ الصرصر قد جعلت أطرافيَ تتجمّدُ وقلبي قد صار قطعةً من .. جليد. عاريةٌ روحي ، ترتعشُ من صبّارة القرّ. لم أعُد أستطيع إكمال البقاء على قيد الحياة ، إنّ لزوم الدّنيا أمرٌ شاقٌ وبارد. الجنّةُ دافئة ، وأنا أُريد الدفء.

سقطتُ أرضاً بسبب البرد القارس ، توسدتُ الثُلوج وأخرجتُ من ثغريَ تنهيدةً تجسّدت بصورةِ ضبابٍ أبيض ، إنّها التنهيدةُ التي أفرغت روحيَ من كلّ البرودة والشقاء ، استعداداً للجنّة.
أغمضتُ عيني ، سمعتُ صوتَ همسٍ بجانبي "لهم دار السلام عند ربّهم"

فتحتُ عيني ، ياه! إنّ الدّفء .. دافئٌ جداً ، حنون!
رأيتُ نوراً يحترقُ على يميني ، أدرتُ وجهي ، كان إضطرامُ خشب. قمتُ من مكاني ، كُنت مكسوّةً بتلك الملابس الـ.. دافئة أيضاً. الدفءُ يغلّف كل شيءٍ هُنا.!

صرتُ أمامَ بابٍ عظيم.. فُتح فجأةً وكانَت الأصواتُ تُحيي "سلامٌ عليكم طبتُم فادخلوها خالدين". سرتُ وإذا ب"جناتٍ تجري من تحتها الأنهار" . نهرٌ من سلسبيلٍ ونهرٌ من حِبر! الأوراقُ مصفوفةٌ و .. اسمي يُنادى من داخل ذلك القصر! سأذهب لأرى ما يجري.

دخلتُ القصر العظيم ببطءٍ وخوفٍ شديدان. رأيتُ مكتباً في وسط البهو ، وترانيمُ تُعزف بصوتٍ ملائكي، الورودُ متناثرةٌ في كلّ مكان. في داخل أحد الغُرف عُلّق فستانٌ من استبرق وسندس ، واللؤلؤ قد صار عِقداً. الأوراقُ والأقلامُ على المكتبِ في انتظاري "يطوفُ عليهم ولدانٌ مخلّدون". تحوطُني الملائكةُ "وجزاهم بما صبروا جنّةً وحريراً".

يأتيني ذاكَ النداءُ من بعيد..
"وفي السماء رزقكُم وما توعدون" إنّ الكتابة جنّةٌ يا فتاة ، وأنتِ قد صِرت فيها خالدةً مُخلّدة. لمّتكِ الكتابة وأوَتك في دفء كنفها من برد الدُنيا. كوني معها ، ظلّي في رحابها لتُنعم عليكِ باحتوائها وحنوّها. إنّكِ حالما وطأتِ هذه الجنّة قد اكتسبتي القدرة على الكتابة. اكتُبي بقدرِ ما تُريدين الدفء في حياتك ، بقدرِ ما تُريدين الاستمرار في العيش دون أذىً ، بقدرِ خلودك اكتُبي.
-
٣١/يناير/٢٠١٦م.

إنني الآن أتمّ السنة الثانية من الخلود الأزليّ في جنّة الكتابة. أظنّ أنّ المواهب الهنيئة والحب الحقيقي الذي مدّتني به لا يوصف. إنّها قد محت كلّ ترَحٍ وقسوةٍ أورثتني إياها الدنيا ، وأعادَت صياغتي من جديد ، لأستطيع العيش بالنعيم والخلود.
إنّني على قيدِ الدفء. على قيد الكتابةِ ، لا على قيدِ الحياة.

تعليقات

المشاركات الشائعة