نصٌ ثوريّ

مُنذ خمس سِنين رُميت هنا ، بين أربع جدرانٍ بدأت تتهدهد بسبب قضم الفئران ، استنشقُ رائحة الموت بدلاً من الهواء.
مُنذ خمس سنين ، حُدّت حريّتي لأنني طالبتُ بالحريّة.
أخذوا مني حريّتي التي لم أتمتع بها. كسروا أضلعها وقتلوها ومن ثمّ رموا بجثتها أمام عيني في الزوال. أخذوها مني فصرت يتيمها..
أنا يتيمُ الحريّة ، الحرّ الذي بلا حريّته.
-
تباً لهذا العالم الذي يتغنى بالحرية الكاذبة ، الذي يدّعي فضيلته وكماله ، وأنه عالمُ أحلامنا ، بينما أحلام الأطفال تُهدم في تلكَ الديار ، وأمنياتهم تُنهش هنا.
يالفضيلتك الحقيرة أيها العالم.
وأي الحرية تلك التي تستدعي حِرمان الأم من أولادها ومنع الحبّ والجمال
عن أي حريّة تتكلمون والعالم يعيشون في صمتٍ تامٍ بينما أجوافهم تغرق بالكلام والصراخ؟
أحريةٌ هذه التي تدّعون؟ أكثرةُ المشانق والسجون تعتبر حرية؟
قطع رِقاب المتحدثين.. حرية؟
تعذيبُ أرواح المطالبين.. حرية؟
تجريد الطفولة من أطفالها.. حرية؟
إنكم سوف تُسألون
عن كُلّ أولئك الأحياء الذي وأدتُم
وسيسألون هم
بأي ذنبٍ قتَلتموهم؟
تباً لحريتكم الكاذبة!
-
ولأنني تحدثت ، لأنني طالبت ، لأنني لم أرضخ للوأد
زجّ بي بالسجن في تلكَ الليلة الظلماء..
سُحبت من منزلي وجرّيت في الطرق والشوارع حتى رموني في هذه الزنزانة.
العصبةُ على عيني ، والأصفاد تقيّد يدي ورجلي. سلبوا مني حريّتي وها هم يسلبون الحرية المسلوبة
أنا مجردٌ من الحريّة ومن اللاحرية!
-
كان الكون مظلماً بسبب العصابة التي تغشى عيني ولكنني كُنت أستطيع النظر..
رائحة التعذيب والقتل ، صوت الحريّة البعيدة ، لمسُ الموت لي وهمسهُ بجانب أذني ، برودة الأرض
كلّ ذا.. جعلني أرى.
-
بعد أسابيع جِعت بها للعيش ، للسعي خلف الحرية
رفعوا العصابة..
كان المكان كما توقعت..
الجدرانُ تصرخُ هتافاتٍ ثورية ونداءات ، الدمُ يسيلُ عليها وكأنه دهان وضع للتوّ.. ولكنهُ ، حرٌ مات للتوّ.
الفئران تحفر الأنفاق في الأرض وتقضم الزوايا ، قضيب السجن الصدئ الذي يروي حكايا آلاف الأحرار المسجونين كإياي
ورائحة الموت الشهية التي تجعلني أجوع للرحيل أكثر.
-
سأحفر كتاباتي وصرخاتي على الجدران.. سأخطها بدمي. سأخبئ الرسائل في جحور الفئران وسأعدّ الخطط وأضعها على السقف كي أمهّد الطريق للحر الآتي بعدي..
وسأختم قصتي الثورية..
بأقدامي التي تخطّ المسير على أرض السجن..
إلى المشنقة..
كي أموت أنا
وتحيا حريّتي
في ثائرٍ آخر

تعليقات

المشاركات الشائعة