إلى أمي..والوطن

إليكِ يا أمي
وإليكَ يا وطني
من السماء أحييكم
آنا آسف.

-
أعتذرُ يا أمي ؛ لأنني لم أكن باراً بكِ كفاية. لأنني لم أبقَ لكِ ، مسانداً ، معاوناً ، وحاملاً للثقل . آنا آسفٌ لأنني سببتُ لكِ الثكل والفقد والبُكاء. إياكِ يا والدتي أن تبكي.. إياكِ ؛ وكيفَ لإمرأةً علّمتني الصمود والقوة ، أن تتهاوى أمام أسخف الأمور.
إنني يا أماه لم أمُت.. استشهدتُ فقط
وكما أخرجتيني من رحمِكِ ، أعود الآن إلى رحِم الوطن.. أتوسدُ تُرابه ويدثّرني علمُه..
إياك يا أمي أن تبكي.. جوبي الشوارع ، وغنّي.. زغرِدي وهلهلي..
فإن ابنكِ راحَ فداءً للوطن..
إن دمي يا أمي لم يُهدر.. أنا حيّ بقدر ضحكات الأطفال رُغم آلامهم ، بقدرِ الحبّ والأمل والهتافات
والثورة
أنا حيّ.
علّني -برحيلي هذا- أُوفيكِ بعض حقكِ.. اصرُخي ، افخري وابتسمي
فابنكِ بإذن الله شهيد.
آنا آسفٌ يا أمي
آسفٌ لأنني لم أعد أستطيع العيش
كُنت أحتضر
في كل مرةٍ أسمع فيها أصوات القنابل
في كل مرةٍ تهتز فيها الأرض من تحتي
آنا أسف.. ولكنني يا أمي لم أكن قادراً على الرضوخ
كان الوطنُ يتأوه.. يصرُخ.. يُنادي
تنزفُ جراحهُ شعباً ومأوى.
وأنا -بحُكم تربيتك- بحُكم ما جرّعتني إياه أنفاساً في صِغري
ارتديتُ كفَني ، وقُمت
لأعلي كلمة الوطن
وأسقط كلمة الحرب.
الوداعُ يا أمي..
سألقاكِ في المنامِ حتى نُبعث خلوداً إلى الجنة
-
وطني..
أيّها المفدّى
سلامٌ على ترابكَ المخلوط بالدم..
على أراضيكَ الطاهرة..
على سمائك السوداء المليئة بالفقد والحزن
أحيّيكَ يا وطني بتحيةٍ ممزوجةٍ بالدم..
ها أنا ذا أيها المسلوب
أحاول أن أعيدكَ بدمائي السائلات
أن أحتفظ بكَ لي ، ولأهلك..
ولكنني الآن رهينُ جنادلٍ وتُراب
المعذرة.. المعذرةُ يا وطني لأنني لم أحمِكَ كفاية
لأنني قبلتُ بالموت دونَ أن أعيدَ مجدكَ إليك
لأنني متّ وعلمكَ لما يُرفع بعد..
ورحلتُ دون أن أبيد أعداءَك..
خلِدني أيها الوطن شهيداً حاول أن يبرّ بوطنه
اكتُب بدمائي مجد تاريخكَ
لتبقى سرمديا وأصبح أنا رماداً ، نفثهُ ريحُ الزمان
فصار لا شيء.. صار منسياً.
لا وداع لكَ وطني.. لأنني بكَ -يا أزليّ المجد-
سأبقى حياً

تعليقات

المشاركات الشائعة