ضياع الرّوح


إنّني ضائعة , ضائعةٌ مني , فمنذُ صغري قد استُبدلت روحي بروحٍ أُخرى , روح دخيلة استوطنت جسدي , علمتُ أنّها ليست روحي لأنني لستُ هكذا , فمُنذ بضعة سنين شدّيتُ الرّحال إلى رحلة البحث عني.

عزّمتُ وأصرَّيتُ على أن أجِدني ، وأن أُكحل عينيَّ فيني ، أن أردَّ ابنتِي|أنا الضّائعة المُشرّدة إلى أُمها|نفسي ، اقسمتُ أن أُعيد روحي إلى نفسِها ، فبدأتُ أبحثُ في هذا العالمِ المُلوّث المليئ بالقذارات عن روحي الطّاهرة البيضاء ، وأنا أدعو أن لا تتّسخ بقذارة هذا العالم..

جُلت العالم كُله و مرّت أيامٌ معدودات وأنا ابحثُ عن حقيقتي ، ولكنني لم أجدها ، حتى قرأتُ أنّ الكُتب بواباتٌ تُفتح فنَدخل في عالمٍ آخر ، ولكن يجبُ علينا فقط البحثُ عن الرَّتاج ، بين يدينا عوالمُ كثيرة ، نحنُ من نختارُ العالم الذي نعيشُ به ، نقف وأمامُنا ملايين البوابات ، فقط يجب علينا أن نختار..

بدأت رحلتي مِن جديد ، بحثتُ عن كُتبٍ من المُمكن أن أجدُني فيها ، كُتبٌ عن العالم السّفليّ ، فوجدتُها وبانت تلك البواباتُ أمامي ، مشيتُ حتى شدّتني بوابةٌ سوداء عظيمة ، فدخلتُها وسُدّت البوابة من خلفي..

رأيتُ طريقاً أمامي ، تحفُّه الأشجار الطويلة المُلتفة الأغصان ، أوراقها سوداء مُخضرّة ، وبدأت اسمعُ أصواتاً مُرعبةً تُفزع القلب ، أردتُ الرّجوع ولكنهُ كان مُحالاً ، فناديتُني علّني استجيبُ لي ، ولكن ما مِن مُجيب ، وصلتُ إلى الغابة السّوداء ، دخلتُها فرأيت وُحوشاً وأشواكاً حادّة ، فبدأتُ بالرّكض حتى اتخطاها ، ولله الحمدّ فعلت ، كانت هذه الغابة تُخبّئ قلب الكتاب ، كان قلب الكتاب خلفها تماماً..

وصلتُ إلى قلبِ الكّتاب ، فرأيت صفحات بيضاء تحتوي على السّواد ، غُصت في أعماقها ، رأيتُ كلماتٍ تتطاير عليَّ من كُل جانب ، ثُم بدأت اسمعُ صوتَ أنينٍ بين كُل هذا الضّجيج ، أنين فتاة ، بحثتُ عنها حتى وجدتُها ، وجدتُ نفسي!

ذهبتُ إليّ ، أردتُ أن أضمّني ، فكفّتني روحي ، وابعدتني بيديها ، هدّأتُها "مابِكِ ياروحي؟ أنا أنتِ ، أنا نفسُكِ ، ممّ ترهبين؟"
ردّت وهي تُكفكفُ الدّموع "أخاف التلوّث بقذارة هذا العالم البشع ، خبأتُ نفسي في عالمٍ آخر ، لا أجد فيه قذارة الحقيقة"
مسكتُ يدها ومسحتُ عبراتها "لا ترهبي الدّنيا ياروح ، سأحميكِ فيني وأضحّي بنفسي من أجلكِ ، سنُحاربُ بشاعة الحقيقة معاً ، بتفكيرنا الطّاهر..


هُناك , قلبُ الكِتاب.

تعليقات

المشاركات الشائعة