بحفظ الرّب..


كُنت وَحيدة ، الطَريق طويلٌ أمامي ، اجلسُ على حافَته ، تُداعب أنامِلي ملامِحَ الرّمال ، و حالَما يُدَلهم الظَلام ، أتوسدُه كوِسادة تحت رأسي ، و أُحوِطُ نفسي بيّ ، و في الصّباح أستكِملُ مُداعبة الرّمال ، رسمتُ أحلاماً كثيرة ولكن سُرعان ما تَحملها الرّياح بعيداً عني..

 بقيتُ هكَذا لسنواتٍ عدّة ، وَحيدة ، فقط أنا و الرّمال ، حتى أتى شخصٌ ما وأنقذَني ، سانَدني و أعالَني على الخوضِ في رِحلة الطَريق ، قال لي : "أنا ابنُ آدم ، سأبقى معكِ دوماً" ، أصبح مُساندي و مُعيني ، أرشدني إلى طريقي الضائع ، بدأ تسلقَ درجِ المصاعِب معي ، قرُبنا مِن بداية النِهاية و بقينا نسلكُ ذاك الطَريق لأيامٍ معدودات..
 
حتى نُمت ذاتَ ليلة و ثُم و مِن دونِ أي سابِق إنذار رَحل ، شدّ رِحاله و استَكمل الطّريق ، فزّت نفسي صباحاً ، جُلت المَكان حولي باحثةً عنهُ ، بُحَّ صوتي و أنا أصرخُ مُنادية ، ولكن ما مِن مُجيب ، يئِستُ و هلكت ، لَن أجده ، و لَن أستطيع استِكمال الطَريق بمَصاعبه هذه..

جلستُ على حافةِ الطّريق ، أتعرفُ على حباتِ الرّمل هذه ، ولكِنها كانَت أبية و عَنيدة ، عَكس تِلك التي كُنت أرافقها , لا تَنجر مَع حركات أطراف بَناني ، مَللت ، لا أستطيع الرّسم ، فشدّيت الرّحال إلى حيثُ كُنت ، إلى بِداية الطّريق ، حيثُ تقطُن رِمالي العزيزة ، استغرقتُ في الوُصول يومين اثنين ، يومين أمشي على الرّمال ، وحدي..
رجعتُ لبِداية الطّريق ، لموطني ، إلهي كَم اشتقتُ و حنيتُ له ، ركضتُ إلى حيثُ الرّمال ، تمدّدتُ عليها و داعبتُها و همستُ بين حَباتِها بـ اشتقتُ لكِ صديقَتي..
بقيتُ على هذا الحال ، ضائِعة ، مَخذولة من "ابن آدم" ، أُلملمُ فُتات نفسي ، مشتّتٌ فِكري ، مَذهولةٌ مِن خِيانة و خُذلان ابن آدم..

 فجأةً , وجدتُ نفسي في وادٍ مُظلم ، ظلامُه مُهلك ، رأيتُ مخلوقاتٍ سوداء تزحفُ حولي في كُل ناحِية ، كُنت أنا شاحِبة دونَ لون ، أهلَكني الظَلام وكنتُ أبحث عن النّور ، هروَلت حتى لا تنفذُ طاقَتي ، و بعد مرور مُدةٍ مِن الزّمن ، رأيتُ خيطاً مِن النّور يشعُ مِن بَعيد ، لاحَ الأملُ أمامي ، ذهبتُ إلى حيثُ ينبع الشُعاع..

وصَلتُ إلى أملي ، كانَ كُوخاً صَغيراً يتفجّر منهُ الضِياء ، و قَبل أن أدخُل فُتح البابُ في وَجهي ، مُدّت يدٌ ناصِعةُ البَياض نحوي ، كانَت في تِلك اليَد وَرقة ، مكتوبٌ فوقها "خُذيها و اهربي" ، تعجبتُ مِن "اهربي" لِماذا أهرب؟ اختَفت اليَد و كأنها لم تكُن ، مُسِح الكوخ مِن الوُجود ، و مِن ثُم أقبلت عاصِفةٌ هيجاء حَملتني مع ما حمَلت مِن زرعٍ و أغراضً و بَشر..

 في النّهاية ، استيقظت ، كُنت مُتعبة جِداً إلى درجة أنني حلمتُ بذاك الحُلم الغريب ، و لَكن الأغرب و الأمر المُفزع هو أنَ الوَرقة كانَت في يَدي ، و كأن الأمر كان حَقيقة!

المَكتوب في الوَرقة :
أي ابنتي ، لا تَثقي بأبناء آدم فكُلهم خاذِلٌ يبحثُ عن مصلحَتِه ، خُذلت مرة ، إياكِ و إعادة الثِقة ، فالثِقة نِهايتُها خُذلانٌ مِن الموثوقِ به ، لا يوثَق إلا بالله عزّ و جَل ، هو الوَحيد الجَدير بثِقتكِ ، هو الذي يجب أن تكوني على يَقين أنه لن يخذلكِ ، أنا رَسولٌ مِن ربكِ ، كوني حَذرة و ثِقي بربكِ وحده.


أما الآن هيّا ، قومي و شدّي الرّحال ، سأُرشدكِ إلى طريقٍ غير المألوف ، ولكِن لا تستوحِشيه فإنهِ طريق الحق ، "لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه" ، أسلكي هذا الطّريق و سأُرشدكِ أنا ، لَن تضيعي ، و الآن انهضي واكملي المَسير ، أنتِ بحفظِ الربّ و رِعايته.



تعليقات

المشاركات الشائعة