أمي.

‏أمي. يا مِحرابي ومُنطلق ابتهالاتي وتضرّعي. فيكِ صِرت وإلى نَهل الصفات منكِ أصبو. يا ملاكاً آتاني إياه الرب, كيفَ لكِ أن تكوني أماً لابنةٍ مِثلي؟ مليئةٍ بالسواد. بعينينِ حمراوتين, وجعبةٍ غاصّة بالدموع التي لا تنضب أبداً, تُمدّ من الروح مدًا أزليّ. كيف لي أن أكون ابنَتكِ؟ وروحي تُخنق بالجحود, تتأوه من انبثاق الحزن منها. بينما روحكِ تسمو بإيمانها, تغتسلُ بالبياض والطهارة يوميًا.
لا أدري كيف, ولكن ربّي أنقذني, انتشلني من غيهبٍ كُنت مُعلّقةً على حافته. أنا فقط.. الغيهبُ من تحتي, واللاشيء من فوقي. أرسلكِ من عِنده كي تمسكين بيدي, كي تنتزعي السواد مني وترميه.
يدكِ كانت دوماً هُنا, مُستعِدةً لكفّ دمعي. لمسحه قبل أن يمسّ وجنتيّ. تفردينَ ذراعيكِ كي تستقبليني وأنا آتيّةٌ نحوكِ محمّلةٌ بالألم والكثير من البكاء. تأخذيني إلى كنفكِ الدافئ, تمسحينَ بيديكِ على جسدي, تُغرقيني بالنّور.  تُهدّئين الزوبعة التي تعصُف في داخلي, تلك التي تقتلع جذور الصبر والإيمان من روحي.. وتتركني جافة, قاحلة, مُتعطّشة لماء الحياة.
تُقبّلين ندوبي؛ فتبرأ. دوائيَ مكنونٌ في قبلاتكِ, في عناقكِ وصوتك.
أنا قويّةٌ يا أمي, قويّةٌ جداً. ولكن صوتكِ قادرٌ على أن يهد جدران قوّتي حالما تسأليني "ما بكِ؟".لا شيء يا أمي. لا شيء. أنا فقط سئمت الحياة. لا أدري بماذا كُنت أفكّر عندما قررت أن آتي لهذا العالم. أنا لستُ سوى خللٍ في التّركيبة البشرية . لا أعلم ما الذي أودى بي إلى هنا. أنا أنتمي للعدم. مللتُ كون الدنيا لا تصلح لاستعمال البشر، كونها قائمةً كي تمارس جبروتها علينا. أنتِ الوحيدة التي تُبقيني على قيد الحياة.
أنا لم أعد أبكي كالماضي، بدأت أبتلع دموعي حتى أُغرقني بها، ولكن الدموع تتكاثر في حضرتكِ؛ فتصير سيولاً لا نهاية لها.  أراكِ فتتدافع العبرات وتتعاركُ على من سينهمر أولاً. لا أزال طفلةً يا أمي، وحضنكِ هو الشيء الوحيد الذي حفظ طفولتي لي. أضيعُ في متاهات هذه الدنيا، أراها تُصفع من كل جانب، أُجبر على أن أنضج، أن أشيب، أن أحمل عبء العالم على كاهلي وكأني السبب في ألمه! العالم كلّه يريد أن يلعب بي كالصلصال، أن يشكّلني كما يشتهي
إلا أنتِ.. تتقبليني كما أنا، وتحبّيني.
دومي ليَ يا أمي، اخلدي لي أمًا ومأوىً.
الموتُ سيحتويني إن رحلتِ، دومي.

تعليقات

المشاركات الشائعة