ماهيَّةُ الوداع

هذه الأوقات.. تخطفُنا من بين يدي هنائنا،
تقتلعنا من تُربة انتمائنا
وتحرمنا ماءنا
تمدّ أيدي الثواني، تلفّها حول أعناقنا، تُفرغ سمّ الذكريات في الأجساد، وترحل.
تراقبنا من بعيد.. تنتظرُ انطفاء الحياة فينا، سيَلان عصارة الموت وإحراقها للملامح
تمثّنا في سماوات الغياب.. غيمة. كما ينماثُ الملحُ في الماء
أنا/أنتم/نحن.. المُتلاشين في لحظات الوداع.
الضحايا
-
الوداع، ما الوداع؟
إنه ليس مُجرد واوٍ وأحرفٍ متتاليَة، لا، إنه أكبر من ذلك. هو طريقةٌ من طرُق اقتلاع القلب من بين جنبيك، طريقةٌ لحشوِ صدركَ بالترَح، لكي تنبضَ فقدًا. منهجٌ مدروسٌ حتى توضع في خانة الجرحى للأبد.
الوداعُ هو أن تتعرى من جمال كلّ تلكَ الأيام السالفة، أن تحبسَ نفسكَ بين دموعٍ وأصواتٍ مُرتجفة وعناقٍ واستوداع. أن تقفَ في حضرة المشاعر مُتمسكًا بكل ما تملك من قوّة.. فتجردكَ هي منها حتى تخرّ على الأرض صريعاً.
الوداعُ هو تلك الدقائق البسيطة التي تستطيعُ بسُلطانها أن تحوّل حياتكَ لقبر. أن تسلب منكَ كلّ جميلٍ وتُغرقكَ بذكريات ذاك الظاعن فقط. إن الوداع هو اختزال كل الدموع، كل المشاعر، كل الحب بموقفٍ واحد، بعناقٍ طويل. بتمسّكٍ خفيّ، بـ"لا ترحل" بسيطة.
إياك التمرّد وقَول "أنا أكبر من الوداع"
الوداع أكبر منّا. قادرٌ علينا، الوداعُ ياعزيزي موتٌ مصغّر. جهنّمٌ لتعذيب المحبّين. إنك لن تستطيع تحمّل وخزةٍ منه. إنه عظيم الألم..
حاول التماسك.. لمّ أشلاءك إليك، لا تدعها تندثر على وجه الأرض.. اجبر كسر روحك. ودّع، ابك كثيراً، ابك كما تريد. البكاء مُضادٌ للوجع، علّه يخفف عذابك.
عندما تضمّ الراحل.. تشرّب ملامحه، رائحته وطوله.. خبّئ نسخةً منه في جوفك. كي تتذكره أنّى اشتقت..
شدّ الرحال لأرض النوى.. اعرُج بآلامك للدرَك الأعلى، لهاوية البَين. اربط على قلبك. اقض ثُلث الليل بكاءً وثلثيه تذكرًا.. استحضر ما فات وابك..
عِش هكذا.. حتى يودّعك الوداع.
وفي هذا الوداع بالذات.. لا تبك. افرح.

تعليقات

المشاركات الشائعة