أنتَ أيّها الشاعر

نصٌ أهديه للشعراء المضطهدين ، المنسيين.
أنتم رسُل السماء.

أنت. أيُّها المُضطهد من قِبل العالم ، أيُّها المنسي ، المُلقى بالتّيه التّام ، أنتَ ياصوتَ النّفس ، ياروحَ الحَياة. أيها الرّسول من عالم السّماء. المُوحى إليه من عالم اللّغة ، عليكَ منّي السّلام.
قلاكَ العالمُ أجمع ، أردتَ أن تكونَ رسول الحقيقة ؛ ولكن أبت كذبة العالم. فصرت شاعراً.

هربتَ من كل الأراضي ، اقتلعت منكَ الوطن والأسرة وذاتك.. رُحت تبحث عن الملجأ الذي -سيستقبل شِعرك-. بدأت تَستوطنُ الشّواطئ المليئةِ بالبلل ، مُؤمّلاً استقبالها لك. أغرقتَ جسدكَ في مياهها ، وجعلت الورقة -فقط- تتنفس الهواء. تخرج من البحر مُبللاً ومن ثمّ تخطّ جدبكَ بمنظومةِ شِعر. نظٌمت قصيدتكَ على البحرِ الطّويل -الجاف- ، بدأت تُلقيها على مسامعه ، تحكيه ضموره -رُغم البلل- فغضِب منك.
من أنتَ -أيها الشاعر- كي تشكّك برطوبة البحر؟ كيف تجرُؤ على فعلةٍ شنعاءٍ كهذه!
صَبّ غضبه عليكَ بحمضِ الحياة الذي جعل حبرك يسيلُ ، كدمعاتِ الكلام المُحترق. فانصهرت أنت
و ولّيتَ مُبتعداً.
-
تباً للبحر.. العالم مليئٌ بالأماكن.

قمت بتحري البقاع ، تجرّ أذيالك في شتّى أصقاع الأرض ، تحمل الورق الثقيل على ظهركَ وتُسافر ، تتجرعُ الحبر ، تتغذى على الشِعر كي تبقى على قيد الألمِ والحياة. حتى وصلتَ لبقعةٍ خضراء تسرّ الناظرين فحطّيت الرّحال. اتّكأتَ على شجرةٍ عظيمة الأفرع واللون. غفوتَ على جذعها فراودتكَ أحلامُ الأراضي الجدباء والربيعُ الكاذب. استيقظتَ فنظّمت ما رأيت -ضدّ الأشجار- ، ضدّ شجرة الصفصاف اللعينة هذه ، قرأت أبياتكَ بصوتٍ عالٍ فأتتكَ الرياحُ مجاوبةً تقتلعُ القلم من يدكَ وترميه في دوامة العاصفة ، وتمزّق ورقكَ حتى تتطاير الكلمات. انتقاماً منك ؛ لأنك تلوتَ الحقيقة على آذان الصمّ فشفيتهُم.

وها أنتَ ترحل مجدداً ، بكامل شِعرك وكرامتك.
-
تيأس من كذب العالم فتولّي وجهك شطر ذاك المكان الوحيد -في العالم- الذي يستقبل الحقيقة. تجاه مكتبك. تصرّ على الكتابة حقاً هذه المرّة ، لا شيء سيقفُ في طريقك. ، تفرشُ سجاد ورقكَ وتنصب القلم صلاةً خاشعة. ينسكبُ الحبرُ... ولكن أفكارك لمّا تنسكب معه. إلهامك قد توقّف عن الجريان ، ها أنتَ ذا جافٌ كما البحر وعاجزٌ كما الصفصاف. تتوقف أبياتك المنظومات عن التدفّق فتصير جريحاً. وذاك الجرح يستعصي ، يأبى أن يبرأ ، يتأصّل فيكَ حتى يُصيّرك شاعراً حقيقياً. -ومن شروط أن تكون هو ذاك الجرح الذي لا يشفى-.
تبكي عجزكَ عن الشعر ، تبكي تخلي الشعر عنك. تبكي كذبة العالم التي جعلت الحقيقة صعبةً لهذا الحد! أنت -بكامل قواك الشّعرية- قد سئمت نبذ العالم لك ، والكذب ، والعالم بأكمله.
وبينما أنت تتذمرُ قصائداً وتتأوه شِعراً.. يأتيكَ هو ليبثّ فيكَ روح العالم العلويّ ، فيقول..
-رآني الله ذاتَ يومٍ ' في الأرضِ أبكي من الشّقاء
  فَرَقّ ، واللهُ ذو حنان ' على ذوي الضرّ والعناء 
  وقال : ليسَ التُراب داراً ' للشعرِ ، فارجع للسماء!
لتتفهم أنت ماقاله شاعر الوجود الجميل -إيليا أبو ماضي-
.. أنه يوجب عليكَ العروج لأنهَ لم يكُن ولن يكونَ هذا العالمُ مكانك. أنت -أيها الشاعر- منزلكَ السماء.
روحهُ تواسيك..

تعليقات

المشاركات الشائعة