تهريب الدُموع
أحبسها في سِجن الرّوح , أحبسُها إحتجاجاً بالصبر ,
أُصمِتها إكراهاً منذ أن أستيقظ. أنا التي أحرسها وأنا التي أُهرّبها كذلك , أُصمتها
وأعدها بأن أُطلق سراحها في الليل.
وأنا أُحاول أن أعيش حياةً إعتيادية كأي إنسانٍ على وجهِ
الأرض , تمرُ ذِكرى ذلك الظاعن فتُهيّج أحزاني , أضعف , يتملكني الوَهن. أفقد
تحكمي بنفسي , تفرض المشاعر قوّتها على روحي. تستغلُ الدُموع وهني هذا فتُحاول
الهُروب علناً ، في وضح النّهار , أمام الملأ مُعلنةً ضعفي وقلّة حيلتي. أُحاول الإمساك بها , أدعو
الله أن لا تفلت من يدي , أحبسها في عيني , أُحكم الإغلاق عليها , لا أُريد أن
يُكشف ضعفي أمام النّاس.
في الليل , يهطلُ المطر بشدّة في الخارج , إنّه وقت
مُناسب لتهريب الدُّموع , سأفتح النافذة وأُطلق سراح دُموعي.
لا! ماهذا الغباء الذي كُنت أفكر به؟ لن أُطلق سراحها , فإن فارقتني دُموعي سأبقى وحيدة , الوحدة تُفزعني , سأُبقي دمعي ليُؤنسني.
لا! ماهذا الغباء الذي كُنت أفكر به؟ لن أُطلق سراحها , فإن فارقتني دُموعي سأبقى وحيدة , الوحدة تُفزعني , سأُبقي دمعي ليُؤنسني.
جلستُ بجانب النافذة , فتحتُها , صار بعضٌ من رذاذ المطر
على وجهي. تذكرتُ تلكَ الأيام , تذكرتُ الضحكات , اللقاءات والفرح. تذكرتُ حينَ
افتخرت بي , حينَ ضممتني إلى صدركَ وقبلتني. تذكرتُ مُجالستي لكَ وتقبيل رأسك , تذكرتُ
تلكَ الحكايا التي كُنت تقصّها عليّ فابتسمت.
حقدت عليّ الدُموع فهي لا تُريد سعادتي بل تُريد حُزني. هيجت
مشاعري , أيقظت الذكرى النائمة , حرّضت الحُزن عليَّ فرحتُ ضحية العبرة.
نسيتُ كُل ذكرى تذكرتها , وتذكرت فقده. ترجيتُ الدمع أن يتوقف عن تعذيبي ولكنهُ أبى , يُريد الهرب مني , يُريد التحرر.
تذكرتُ تلكَ الليلة المُظلمة التي فارقتني فيها , تذكرت
حرقة القلب فأغمضتُ عيني. تذكرتُ الصباح الأول بعد فقدك , ذكرتُ الهُدوء الصارخ
الذي ملأ المنزل بعد أن كانت تملؤُه ضحكتكَ المُبهجة , ذكرتُ العبوس الذي اعتلى وُجوهنا
بعد غِياب إبتسامتكَ التي كانت تحيي الكون. ذكرتُ الوداع الأخير والبُكاء , ذكرتُ
التعازي. ذكرتُ ذكراكَ يومها والبُكاء على ماقُدّر لي من فقدٍ فبكيت ، بكيتُ بكاءً مُرّاً على بكائي عليك. بكيتُني بعد
الفراق. فتحتُ عيني واستسلمتُ لجُرحي , ضعفتُ من جديد فهربت دُموعي على وجنتيَّ
واحمرّت عيناي من اندفاق الدم مع الدمع. كُل هذا التهريب والتذكر والألم والصبر
بسب فراقٍ واحد.
حسناً أيتُها العبرات , قد أطلقتُ لكِ العنان , اهربي ,
أليسَ هذا ماتُريدين , اهربي واتركيني وحيدةً مع الذكرى , اهربي!
اختلطت دُموعي بالمطر , هربت دموعي مني خلسةً , لم يرَها أحدٌ سواي أنا والسماء ,
وأنا مُتأكدة بأن السّماء كاتمةٌ للسر , لن تبوح لأحدٍ بضعفي وعدم تحكمي باندفاق الدم والدمع.الدُموع تنتظر مُهاجمة الذكرى لي حتى تهرُب , تنتهزُ ضعفي وتهرب , تتركني وحيدةً مع الذِكرى لأُقتل.
تتركني الدموع فتجف عيناي , أُريد البُكاء ولكن عيني تستعصي , فأبكي بُكاء القلب المكسور , القلب الفاقد. أبكي من عين القلب ، العين الأكثر إبصاراً ببصيرتها من العين المجرّدة ، أبكي البُكاء الحق ، أبكي القلب.
أجلسُ وحدي , تُؤنسني ذِكراكَ المُؤلمة فتهربُ دموعي مني.. |
تعليقات
إرسال تعليق