يا أمان من لا أمان له.


طفلة ؛ لا تتّسع طُفولتها لبشاعة هذا العالم ، لا تقبلُ به ، ترفُضه رفضاً تاماً وتُلقيه خارج طُفولتها. لا زالت تحلمُ بأحلامها الوردية ، البريئة ، والخالية من الشوائب. لم تُدرِك الطفلة قسوة هذا العالم ، فكانت تظُن أنّه كأحلامها ، خالٍ من القتلِ وانتِهاكِ الحُرمات والظُلمِ ، كانت تظنه كالطفولة ؛ بريئاً.

كان مُعجمُ كلماتها لا يحوي سِوى الكلمات السّعيدة ؛ الأمن ، السّعادة ، الطُفولة ، السّلام ، الحب. كان قاموسها ينبذُ كلّ كلمةٍ سوداء تُحاول أن تقبع بين الكلمات.

في أحدِ الأيام كانَت الفتاة تلعب ، تحلمُ بمستقبلٍ جميلٍ كجمال طفولتها. سمِعت نقاشاً بين ذَويها
-قد حدَث انفجارٌ في الأمس ، الضحايا كُثر.
-داهم الإِسرائيليون المسجد الأقصى من جديد ورَفعوا أسلِحتَهُم في وجه المُصلين.
-كثيرٌ من الأطفال تشرّدت بعد مجزرة القتل التي حدثت ، وأصبحوا دون عائلٍ يُعيلهم
-ولا زال العالمُ العربيّ "صمٌ بُكمٌ عُميٌ"

دوهم مُعجم الطفلة ودُوّنت تلك الكلماتُ الموحشة فيه..
-أماه ما معنى ضحايا؟ ما معنى التَشرُد؟ ما معنى القتل؟
صمتت الأُم ولم تنبُس بكلمة.
أدارَت الفتاةُ وجهها ورأت التِلفاز ؛ رأت نهراً من دمٍ طاهر ، وجُدران مصبوغة بالدّم العبيط. شاهدت طفلةً تصرُخ ، ورضيعاً مرميّاً على جانب الطَريق ، يبكي بحثاً عن والدته. نظَرت عيناها إلى الركضِ والسَلبِ والنَهبِ والقتلِ ، رأت كُلّ شيء ، وتبدّدت أحلامُها الوَردية. سُلب مِنها الأمان ، ركضت إلى غُرفتها وتلكَ الفكرةُ المُفزعة تُراودها "لا أمان في العالم ، وقد أكون كتلكَ الطفلة المُشرّدة يوماً ، أبحثُ عن الأمان". في تلكَ اللحظات كبرت الطِفلة وشابت وكهِلت ، تغيّر العالمُ في نظرها ، أصبح بُقعةً سوداء مُلطخةً بالدّم مُفتقرةً للأمان.

فرَشت سجّادتها الخَضراء ، لبِست ثوبَ صلاتِها وصلّت ، كما تفعلُ أمّها ، كانت تُحاول تذكر ماتهمسُ به والدتها وماتفعلُه. صلّت ببراءةَ ثُم سجدت

-يا الله ، إنّ الأرض لم تعُد أماناً ، ليست كما تخيلت ، بل على النقيض تماماً. إلهي إنّ العالم يفتقرُ للسلام والحُب والتسامح ، وأنا في هذه الظُروف كالعالم أفتقرُ للأمان. يا الله ؛ إنّني خائفة جداً. "يا أمان من لا أمان له" كُن أماني الضائع يا الله ، أرقِدني في مهاد أمنكَ وأمانِك.
يا الله , أرجوك , ارزق هذا العالم بعضاً من الأمان لتُمارس الطٌفولة من جديد.

تعليقات

المشاركات الشائعة