شهيدُكِ..

أُمي.. شهيدُكِ يُقرئك السلامَ ويَقول:
"حبيبتي.. مرّ عامٌ
وأنتِ لا تزالين عالقة تحت الحُطام
حُطام الذِكرى التي كسرت أضلعكِ.
لا تزالين تنتظرين رجوعي ، تُعطّرين ثيابي،
إنني لن أرجع يا والدتي..
ما لديّ الآن خيرٌ من الدُنيا وما فيها..
إنني مُشتاقٌ لكِ جدًا..
ولكن..
إن كُنت في الدُنيا.. سأرحل أو ترحلين في يومٍ ما..
ولأنني لا أقوى على فراقك ، نظّم لي الإله رحيلاً ملائكيّاً كهذا..
افرَحي..
لقاؤنا قد أُجّل حتى اتيان وقت الخُلود..
هيا.. ارِني ابتسامة "أم الشهيد".
-
دعيني أُخبرك.. عندما كُنت عِندكم.. كان الدُعاء الوحيدُ الذي يلازم قنوتي وسجودي هو "اللهم اجعلني قرّة عينٍ لوالدتي" كُنت أبحث عن طريقةٍ أردّ لكِ فيها جميلَ تربيتكِ لي.. وأظنّ أن الشهادة هي الطريقة المثلى؛ لذلك وهبني الله إيّاها.
قد بشرّك الإله بحياتي الأزلية.. فلِم البُكاء؟ رَي عظمة تربيتكِ بشهادتي ، وافخَري.

مُذ أن دُفنت ، وانتقلت للعالم الآخر وأنتِ خائفة.. خائفةٌ عليّ من التُراب ، من الوحشة ومن الظلام.. أُبشرك.. لم أستوحش القبر أبدًا.. لأنه ليس قبراً بل جنّة ، إنه في الحقيقة يبثّ شعور السكينة.. الدُنيا هي المُرعبة يا أمي ، هي ما كان يجب الخوف منها ، لا القبر. إنني في أمانٍ الآن ما دُمت على قيد الشهادة.
عبراتكِ التي سقطت على ترابي سقته حنوّاً ورأفة.. إن التراب يا أمي حنونٌ جدًا.. دافئٌ جدًا.. يشبهكِ كثيراً! لم ما زلتِ تبكين.. عامٌ كامل.. أليس بكافٍ لتضميد جراحك؟
عامٌ يا أمي.. وثكلكِ في كلّ صباحٍ يولد من جديدٍ ، وكأنّي رحلتُ للتوّ!
عامٌ وغُرفتي لا تزالُ توضّب في كل يوم.. وأنتِ تحترين عودتي..
عامٌ يا والدتي.. وانتِ لا تزالينَ عالقة تحتَ أنقاض ذلك الرَحيل
عامٌ وساعاتُ انتظاركِ تزيد.. وبئرُ حُزنكِ يُترع ببُكائياتِك..
-
عِندما تأتين لقبري.. كفّي عتابك ، احكي لي عن يومك ، وبّخيني لأنني لم آتكِ بالمنام ، اقرئي القرآن قربي.. أنتِ تعلمين كم أحب صوتكِ. لا تعتقدي في لحظةٍ أنّي مت.. أنا قريبٌ منكِ جدًا ، نائمٌ في أحضانكِ دومًا ، لا في حضن التُراب.. إنني هُنا.. أرى دموعكِ التي قد ملأت نهر الثكالى فأمسحها.

وفي النهاية:
أرجوكِ ياوالدتي.. أرجوكِ
إن كُنت مشتاقةً لي حقاً.. نامي
ملامحُ وجهكِ قد ذبلت ثكلاً وأرقًا..
ولكنكِ لازلت جميلة.. مكسورةٌ وجميلة..
نامي.. كي نحظى باللقاء في منامك..
كي تضمّيني وأقبلك..
كي نهدهد حاجز التراب الذي منعنا من بعضنا البعض.
أحبكِ..
-