بُنَي..

الجُمعة.. يومٌ قُرِن بالانتظار.
يومٌ لم ندرِ أنه سيُلطّخ بانفجار!
٩رمضان؛ هذا اليوم الذي أتى..
سلب أرواحًا وأبكانا وبكى..
يومٌ سلّح بالثّكل والفقدان
سلبَ شيبًا وأطفالاً وشبّان..
يومٌ.. ليسَ كمثله يوم.
-
٩رمضان١٤٣٦هـ:
١١:٠٥ص.
تأتيني.. فيأتي انشراحُ الصدرِ معك..
تُقبل عليّ حاملًا بين طيّات وجهكَ سيماهَ الصالحين
"سلامٌ على جمالكِ يا أمي"
تُقبل رأسي.. تطبعُ عليه قُبلة البرّ والطاعة..
حماكَ الله بملائكته يا صَغيري..
تعال.. تعال إلى حُضني..
فكُلّي مُشتاقٌ إليك..
لم أضمّك مُنذ زمن.. منذ ليلة البارحة!
وقتٌ طويل! وشوقٌ مؤلم..
تعال إلى أمّك..
-"قد جفّ فمي من العطش"
-"أُذكر من ماتَ عطشاناً يهُن عطشُك"
-"السّلامُ على الحُسين"
-
١١:٢٠ص.
-"إني ذاهبٌ للمسجد مع والِدي"
-"في أمان الله"
-
١٢:٠٥م.
-"حدث تفجيرٌ في مسجد الإمام الصادق"
بُني...
-
لِم الكذبُ يا بُني؟ ألم أُربّيك على عدم الكذِب؟ لِم لَم تقلُ لي "أنا راحلٌ يا أمي ولن أعود.."؟ لِم لَم تُخبِرني بهروبكَ هذا من الحياة؟
ليتَني تزوّدتُ بما يكفي مِنك.. يا ليتَني حينَ ضممتُك لآخر مرةٍ خبّأتُكَ بينَ أضلعي..
تعال.. تعال يا بُني..
كيفَ ترحل.. وأنتَ عطشان؟
عُد.. انظُر؛ ها هي الكأس قد مُلئت..
تعالَ واشرَب حتى ترتوي..
ملأتها لكَ دمعًا مثكولًا.
أو لعلك..
لم تكن تقصد عطشًا كهذا..
لرُبما كُنت تقصد ذاك العطش.. الذي يُروى من "كأسه الأوفى" شربةً لا تظمأ بعدها أبدًا..
صحيح؟
رُويت أنت.. وتركتنا حيارى.. ضائعين في فيفِ فُقدانك.. عطاشى، نبتهل..
"اللقاء اللقاء.. يا من خلق الفراق"
عُطاشى إليك.. يا شهيد الله؛ فاسقِنا
-
البيتُ موحشٌ يا بُنيّ.. صوتكَ يترددُ في كلّ الأرجاء..
انظُر لأمومتي ، هُناك.. تبكيكَ شهيداً..
المنزلُ خالٍ منك.. ومليءٌ بكَ أيضًا..
إنني أراكَ يا ولدي..
أراكَ على سجادتكَ التي فرشتها فجرَ ذلك اليوم ولم ترجَع كي تطويها..
بين أسطر مُصحفك ، في آية -يا أيتها النفس المطمئنة- .. في صلاة الليل..
في انفجار الصُبح.. في قيام المصلّين فجرًا
في نداء العطاشى "السلامُ على الحسين" في صومهم..
تتجلى أنت -بكامل ملائكيتك- بكلّ تلكَ الأمور..
فتلازمني دومًا.. على هيئة ألمٍ وثُكل.
-
٩رمضان١٤٣٧هـ:
ياه...مرّ عامٌ كامل
أشعرت بذلك؟ لا أظن..
حسنًا دعني أُخبرك.. فمُنذ أن رحلتَ وأنا لا أعترف بالأيام هذه..
اليوم لديّ يعادل عقد حُزنٍ وقرن ثُكل.
تذكرتُ حينَ قلتُ لك يوم عروجك أنني أشتاق لك.. وأن آخر عناقٍ كان الليلة التي تسبقه..
وانظُر إليّ الآن.. آخر مرةٍ ضممتُكَ بها كانت قبل سنةٍ كاملة.. فتخيّل مدى شوقي. احسِب عدد ذبحاتي وانكساراتي في كلّ يومٍ وليلة قضيتها في أحضان التراب.. تخيّل الفراغ الذي تركه رحيلك ، الصدع الذي شطر فؤادي.
وطوال تلكَ الأيام التي نُمت فيها بعيدًا عن أحضاني، استمتع التُراب بتوسّد أنوارك.. بضمّك وشمّك كما يشاء.. وأنا أجلسُ هُنا.. أضمّ شاهد قبركَ بلا حولٍ ولا قوةٍ ياشهيدي، ألثمُ تُرابكَ حتى صار اللّثمُ سُنّتي..
كُنت حقيقةً.. ولأنك كُنت ملائكيًا جدًا ، سماويًا جدًا.. اصطفاكَ الله وأخذكَ لأعلى عليّين..
وما أنتَ الآن..
إلا حُلمًا دُفن تحت التراب..
أمنيةٌ ماتت خنقًا بيدِ الإرهاب
-
سامحتُك.. على كل الألم الذي سببته لي
شُكرًا لأنكَ صِرت شهيدي..
فَخري.. ورِفعة رأسي
أحبكَ يا ولدي..

تعليقات

المشاركات الشائعة