غُسل الحياة


سجينةٌ للتَرَح كُنتُ أنا , مأسورةٌ بين أربع جُدران , جِدارُ الأسى , وجدار الهم , وجدار الحزن , وجدار البُكاء. كُنت كُلما أتكور على نفسي وأُصبح مُبتلعةٌ من قبلي في تلكَ الكُرة أشعرُ بالجُدران تقترب مني , الضغطُ يخطُفني , أشعُر باِنسحاقي في ذلك المُنعزل , أصرخ وكأن صرختي ستردعُ الجدران عن دهسي كورقة خريفٍ جافةٍ تعيشُ الموت. وبعد كُل هذا الضغط والخوف والصُراخ , أنا أحلمُ فقط..

جدارُ البُكاء يُسقيني نغبةً من العبرات في كُل لحظة , حتى غرقتُ بدموعي. والجُدرانُ الثلاثة الأُخرى ترشقُني بسهامٍ حادةٍ قطّعت جسدي حتى أصبحتُ أتضرجُ بدمائي , حتى أصبحتُ فتاةً دمويةً حمراء. وأشعُر بأرواحٍ خفيّةٍ تكلمُني وتصفعني حين أُحاول النوم..

أستيقظُ في اليوم التالي , وإذا في الجُدران ساكنة , ولا يوجدُ أحدٌ غيري , وأنا كجُثةٍ هامدة. كُل ذلكَ الرُعب وتلكَ الكوابيسُ التي استوطنتني ليست سوى فعلةٍ شنيعةٍ من فعل الحُزن , الحُزن الذي لم آبه باقتحامه لي , ولكنه الآن قد لطخ روحي بقذارته , يجب أن أُطهرني من دنسِ الحُزن الغادر , يجب أن أتخلص من بُقعة الحُزن التي أصابت جسدي وإلا ستتسرطن وسأموت حُزناً..

لم أعُد أحتمل كمّ التَرَح هذا , فأنا هزيلة , وصخرةُ الحُزن هذه كسرَت ظهري. سأتخلصُ من الرجس بأي طريقة..

سأغتسِل , سأغتسِل غُسل الحياة , الغُسل الذي سيمُث الأسى الذي أسَر روحي الحيّة وأماتها..

عندما لامس الماءُ جسمي انتفضت , دخل الماءُ إليَّ من خِلال جُروحي العميقة , نزفتُ ماءً أحمراً وتحولت الأرض إلى ساحة معركة , والدماء المنزوفة تُبيّن كميّة الضحايا التي سقطت , والضحايا الكثيرة كانت أنا وأنا وأنا.

الماءُ قد وصل لروحي , عِندما أحسستُ بهِ داخل جسدي سقطت أرضاً. بدأتُ بالصُراخ عالياً , وكان قلبيَ ينقبض وكأن روحي تخرجُ من جسدي , أحسستُ بطيفٍ أسودٍ يخرجُ مني , تألمتُ مع كُل قبضةٍ كان يُقبض الطيفُ فيها. كُلما ارتفعت صرختي نُزع منّي أكثر فأكثر , ومع انتزاعه كُنت أعلو أنا. حتى استُنزع كُلّه , فوقعت..

ذاكَ السوادُ كان روحي الحزينة , قد قتلتُها بغسل الحياة , وقد طهّرتُ نفسي من الحُزن. استنزفتُ نفسي الحزينة صُراخاً حتى ماتت , فتطهرت..
 
 
وداعاً..
 

تعليقات

المشاركات الشائعة