تحت العباءة السّوداء..

 كانت تأخذني لمكانٍ ما ، كُنت أُسميه "مجلس البُكاء" ، كُنت أخافه ، حقاً. حالما نَطِئ ذلك المجلس ، أجلس بجانبها ، أُمسك بعباءتِها ، وأُغطّي وجهي.

عِندما كُنت في المهد ، طفلة صغيرة ، كانت تضعني في وسطِ ذلك المجلس ، في مِهادٍ دافِئ ، تُسدِل عليّ السّتائر الخضراء ، تضعُ يدها على قلبي وتهمسُ بُكاءً "دِلل لول".

كبِرتُ قليلاً ، ولازلتُ أختبِئ تحت عباءتِها ، أستمعُ للصوتِ النّاعي "هالله هالله حسين وينه" ، أُخفضُ رأسي ، أضُمّه بيديّ الصغيرتين. تُداهمني صُورٌ مُخيفة : جسدٌ مُقطّع ، رؤوسٌ مرفوعة ، قرطُ أُذنٍ أصبح ذهبهُ دماً ، نارٌ وخيامٌ تشتعل ، أيتامٌ وسبايا / فأصرُخ.
تضمّني هيَ ، وتُغرقني بسواد عباءتِها أكثر ، تُبللني بالدُموع والحب. تُحاول تهدِأتي ولكنها تبكي في المُقابل!

عِندما أستمع لضربات الصُدور ، كُنت أخاف ، أتكوّر على نفسي ، أظنّ أن أمراً ما قادم. ولكنني مع الأيام ضربتُ صدري معهم ، ضربتُ صدريَ الهشَ حتى احمرّ ألماً ، وكُنت أنسى ذلكَ الألمَ حالما أذكُر ضربَ السِياط..

دُموعيَ الحارة ، كُنت أمسحها بالعباءة. لطميَ الحزين كُنت أوشحه بسواد العباءة. أنا ؛ بأكملي ، كُنت أضعني تحتَ العباءة ، في كنف الحنان.

كبرت ، عقلت وفهِمت. مجلسُ البكاء هذا هو مجلس عزاء ، مجلسُ مُواساة. كبرت ولكنني لم أترُك عادتي بعد ، أقصُد عادة الإختباء. لا زلتُ أختبئ تحتَ عباءتها ، أستمعُ للمُحاضرات التي تُلقى ، للنعي ، وللبكاء الذي كان يُفزعني ؛ ولكنني الآن أُشارك فيه.

تحتَ تلكَ العباءة السوداء تعلمتُ الحياة ، تعلمتُ الحبّ والوفاء والإخلاص. تحتَ تلكَ العباءة عرفتُ الحُسين ؛ فأحببتهُ ؛ فحزنت على مصائبه. تحتَ تلكَ العباءة سمعتُ في المجالس "السّلامُ على الدماء السّائلات" ، وتعلمتُ لبس السّواد ، ومُناداة الغريب ، والبكاء على الجسدِ السليب..

تحت عباءة أُمي السّوداء ؛ كانت مدرستي التي صيّرتني.

تعليقات

المشاركات الشائعة