إنني غاضبة.

إنني غاضبةٌ يا رب ، غاضبةٌ جداً.
وأنا لا أعلمُ ما الذي سبب غضبي المخيف هذا. غاضبةٌ من كلّ شيء ، من كلّ ذرةٍ في هذا الكون ، بسبب..
لا أدري! فجأةً فقط ، غضِبت. تفجّر الغضب في أنحائي اليوم ، ذلك الغضب المتكدّس في طيّات روحي مُنذ أن صِرت في الدنيا.
-
إنني غاضبةٌ تجاه الأمهات ، تجاه حبّهن المفرط لأبنائهم. خوفهن وحرصهن الذي عيّش أطفالهن بنعيمٍ غير حقيقي ، بنعيم الخلود مع بعضهم البعض ، نعيم اللا فراق!
أنا مُغتاظةٌ من الأمهاتِ لأنّهن يكذبن ، لأنّهنّ يدّعين البقاء الدائم بجانب أبنائهن ، ولكنهن في يومٍ ما سيرحلن. لأنهنّ يقولن أنّه لن يمسسنا ضررٌ أبداً ولكنّ الضرر يُحيط بنا كلّ يوم ، لأننا في هذه الدُنيا ، والضررُ الأكبر عندما يرحلنَ رحيلاً مؤبداً. لأنهن يزعمن أنهنّ أحسنّ تربيتنا ، أنهنّ قد علمونا كلّ شيء ، ولكنهن نسوا أمراً ما.. لقد نسوا تعليمنا كيفية العيش دونهن.
إنني غاضبةٌ منهن.
-
إنني غاضبةٌ من الأطفال. لماذا هم هنا؟ لماذا يلطّخون نقاء أرواحهم؟ لماذا يعيشون انتظاراً لتحوّل جمال الطفولة لدمامة النضج؟
لماذا؟
العالم هذا ليسَ مكاناً للأطفال ، إنه غير مناسب. لِم لا يهرب الصغار؟ بعيداً إلى أرض الأحلام؟ إلى أرض الجنيّات والقصور و .. الحب من أول نظرة.
لا حبّ هنا ، ولا مكان للأطفال.
العالم مضادٌ للصغار ، العالمُ مصنعٌ للناضجين. يستقبلُ الطفل من رحِم أمه ، يُلقي عليهِ لعنة الحياة ، يُصيّره ناضجاً ببطئ ، حتى يشيب..
العالم لا يحب الصغار ، إنه يحب الناضجين فقط. العالم -باختصارَ شديدٍ- يثكل الطفولة بصغارها.
-
إنني ثائرةٌ تجاه الحب. الحبّ المزعوم الذي لا أزال أجهل. فإن كان الحب حقيقياً -كما تزعمون- فلِم كل هذه الحروب في العالم؟ لِم الدمّ والقتل والنصر والخسارة..
لماذا؟
إنني أظن أن الحب ليس سوى أملٍ وضعته البشرية كباقي الآمال لتبقى على قيد الحياة.
إنني مُستاءةٌ مني. من هذه المزعومة ، المُفترض أن تكون -أنا-. إنها لا تعجبني ، ليست كما أشاء. إن الحياة قد لطّختها ، غيّرتها ، سيّرتها بما لا أشتهي. لستُ كما أُريد ، وكلّما حاولت ، شنّت الدنيا حرباً ضدي.
وإنني يا الله أخسر..
فأزداد غضباً.
-
علمني كيفَ أنفّس عن هذا الغضب ، علّمني كيفَ أتحررُ من كلّ هذه المشاعر الشاغلة فيني. إنها تسلبُني الحياة. كيف انتزعها منّي؟
إنني قد سمعتُ بذلك السّحر الذي يُبطل كلّ اللعنات ، لعلّه يُبطل لعنة الغضب التي حوّطتني. سحرُ الكتابة ، ذلك السحر الوحيدُ القادر.
ولكن.. السحرُ لا يأتي إلا بثمن. وثمنهُ سوداوي.
علّمني كيفَ أكتب دونَ سحر ، بطهارةٍ فقط.
لقّني الكتابة حدّ النِكران لما كتبت من شدّة حبي له ، لقّني الكتابة حدّ أن ألقي بالقلم وأسجد لكَ شكراً حالما أنتهي من الكتابة. لقّني الكتابة إلى هذا الحد ، إلى حدّ قاب قوسينِ أو أدنى من الكمال.
أريد أن أكتب ، ارزقني الكتابة حتى أستطيع تفريغ كل هذا الغضب في قطعةٍ فنيّة ربّما ستساعد العالم.
أرجوكَ يارب ، هِبني صلاتكَ والكتابة.

تعليقات

المشاركات الشائعة