سبيل الحياة

أحياناً ، نحتاجُ الفِرار
الهربَ من وحش الحياة ، وحش الحب والعائلة والأصدقاء..
كابوس الخلود.
كلّ تلكَ الضغوطات التي تحبسُ المرء بين أربع جدرانٍ تهرسهُ. هذه الأمور التي تمنعُه من الغرق في الحياة.
سأُحب ، سأعيش ، سأُمضي بضع سنينٍ معهم. ثمّ ؛ تصيرُ -سُنّة الحياة- من قطّاع الطرق ، فتقطعُ طريقنا للخلود بالحب. تُفرّقنا بالموت ، بالإجبار ، بالغضب التافه ، بأي طريقةٍ تشتهي..
المُهم أن نفترق في النهاية ، ويسقُط كلّاً منّا في جبّ الفراق والوجع يستنجدُ بأطياف اللهفى.
لماذا إذاً كلّ هذا؟ لِم الحبّ وربط القلوب ببعضهم البعض ، لمّ الضمّ والقبلات والإيمان الكاذب بالحبّ من أول نظرةٍ ..  وكلّ ذلك سيتلاشى ويُصبح رماداً بتلويحةٍ من يد الحياة.
التفكيرُ في كلّ هذا يوجبُ الرَحيل ، يجبرني على أن ألوذَ ببعضِ دمعاتٍ ، وأن أدّثر بلحاف الليل الأسود ، أن أُخبّئني في سواده حتى أُطفئ شهوة البكاء ، حتى ألفُظ الخوف الذي ما زال يتسرطنَ فيني ، حتى أشفى من سقمي.
إنني لا أكره الحياة.
لأول مرةٍ أعترف بهذا ، أنا أخافُها ، أخافُ مما هو مخبئٌ لي في متاهاتها. أخافُ من أن تنفجر في وجهي المفاجآت عند منعطفٍ ما..
أنا خائفة..
ومن جديد ، سأزمّل بغطاء الليل وأبكي..
-
هكذا عشت وسأعيش -سقوطاً- حتى تلتقفني أيادي الموتِ وتُنهي كلّ هذا الكمّ من الوجع والرعب.
وفي مرحلةٍ ما ، ظننتُني أقترب من السقوط بين يديه ، سأتحرر من هذا الخوف أخيراً.
كُنت أهوي وأهوي في الغيهب ، مُستعدةً للموت.
ولكنّ ما قابلتُ ما كان الذي استعددتُ له. كُنت مستعدةً للانتقال للحياة الأخرى ، الحياة المُبتغاة. تلكَ الخالية من شوائب الفراق ، المُتحلّية بالخلود.
تلك.
ولكنني ، سقطتُ على أيادٍ بيضاء ضمّتني بشدّةٍ حالما التقفتني ، عصرت جسديَ بشدّة حتى أحسستُني أتوسّد أضلاعها. كانت تلكَ التي أمسكت بي شديدة الطهارة ، يتدفّق منها النّور ليُبرئ جراحي.
كانت مُترعةً بالحياة والحب ، والأهم من ذلك ؛ النّجاة.
أحاطتني بهالةٍ من نورِها ، تشرّبني البياض ، طهّرني. أخذتني إلى عالم الدنيا ذاته من جديد! غضبتُ بشدّة فجعلت النور ساطعاً أكثر كمُهدّئٍ لي. أسدلتَ شعرها المُبيضّ شيباً..
إنها عجوز!
ولكن.. كيفَ لعجوزٍ أن تملكَ هذا الوجه الملائكي ، تلكَ النظرات البريئة والملامح الطفولية! كيفَ لعجوزٍ الاتّحاد مع طفلةٍ في جسدٍ واحد!
كيف؟
كلّ تلكَ الأفكار تتصارعُ في رأسي وتُسقطني أنا صريعةً دون ذنب. هذه الأمور أخذت تراودني حتى كانت على وشك أن تُرمى في وجه هذه الشيء الإنسيّ الغريب.
يبدو أن تفكيريَ كلّه قد بدأ يطفو على ملامح وجهي ، كلّه قد بان. اقتربت منّي هذه الـ...
لا أدري ، لا أعلمُ ماذا أناديها ، لا أفقهُ ماهيّتها..
إنها في جسدٍ بشري ، بروحٍ ملائكيّة.. وقلبي يُملي عليّ أنّه قد أصابها نزغ من الشيطان.
اقتربَت أكثر.. أمسكت بيدي ، أحسستُ بكهرباء تسري بجسمي ، تُصحيني من نومي..
-"لقد سمعتُ كلّ ما يجول في ذهنك ، لا شيء خفيٌّ هُنا. ولكن لا تخافي..
إنّ هذا ليس موطني ، أنا أقطن هُناك -وأشارت بيدها للسماء-. إنني هبطتُ لآخذ بيدِك إلى الحياة ، إلى الحب والخلود الذي كُنتِ تظنينه مستحيلاً"
أطلتُ النّظر إليها ، إنّها تبعث فيّ الراحة والخوف في آنٍ واحد..
-"أنا أعلم..
أعلمُ كيفَ تشعرين.. لا بأس. إنّه خوف البِداية.
هاتِ يدكِ وخُذي هذا
إنّه صكّ ملكيتكِ للكتابة. اشكي بثّكِ وحزنكِ لها ، تجرّدي من هذا الرداء البليّ وتجلببي الحياة. هُناك من يحبّك ، من ينتظرك..
وفي النّهاية أُريد أن أقول لكِ...
إن الحبّ من أول نظرةٍ حقيقيّ"
وثمّ عرجت لمثواها..
-
كيفَ اختارتني من بين هذا الكمّ الهائل من البشر.. أكُنت ربّما أشعّ سواداً ، فأُرى من ذاك العلو؟ العالمُ مكتظٌّ بالآدميّين ولم تختَر سِواي أنا؟ لماذا؟
أكُنت يائسةً لهذا الحد أيتها الكتابة؟ يائسةً إلى حدّ الموت ، إلى حدّ أن تهبطي وتُمسكي بيدي ، أن تُرشدينني إلى طريق الحياة ، أن تَردعينني عن السقوط في هاوية الخوف بيدكِ..
أإلى هذا الحدّ قد بانَ يأسي من العالم وخوفي منه؟ هل طفت نظراتُ الخوف على وجهي ، وفاضت منّي صرخاتُ المُستضعفين؟
أبانَ يأسي لهذا الحدّ الذي جعلكِ تمدّين حبلكِ لإنقاذي..؟
على أيٍ..
أشكركِ أيتها الكتابة ، يا سبيل الحبّ والخلود والحياة.

تعليقات

المشاركات الشائعة