أطفال الحرب

عن ثوران براكين الحقيقة في عالم أحلامهم..
عن شهقاتِ الأطفال الممزوجةِ بالخوف
وضحكاتهم المتعرّية من الفرح
عن طعم حليب الرضّع المصحوب بمذاق الدخان
عن انزواء الفتية في الأزقّة
وإمساكهم للسلاح بأيدٍ صغيرة
عن تلوّث الطفولة برجس أولئك المُفترض تسميتهم بإنسان
عن كلّ ذا الجرم ؛ أنا أكتب.

-
بينَ أربع جُدرانٍ ينامون ، هذه الجدران لم تحتضن سوى طفولةٍ وبراءة. مطليةٌ باللون الأخضر والأزرق والورديّ. إلى آخره من ألوان الطفولة.
متراميةٌ فيها الدمى والألعاب في كلّ الزوايا ، وصوتُ الموسيقى يُرتّلُ من السّماء إليهم. الملائكةُ على الأبواب والحيطان والأسقف ؛ النّور مبعثرٌ في كلّ مكان. جسرُ الأماني ممتدٌ من السماء وحتى أرضهم ، إنه حبل الله الذي عليهم الاعتصام به. الأطفال بأمانة الطفولة وأمنها.
يستعدّون للنوم ، يخلدون للفراش. يوسّدون الأحلام بجانبهم ويُهوّدوها. يقبلونها قبلة النوم ويتلون عليها قصة الأمان ، حتى تنام.
نوماً هنيئاً.
-
يستيقظونُ على صوتِ آهات عصفورٍ جريحة ، على رائحة دماءٍ عبيطة ، على بكاءٍ عالٍ يخترقُ حواجز الصمت. يستيقظون على رعبٍ لم يعهدوه أبداً. يفزّون من أماكنهم ، يبحثون عن أحلامهم ، لا أثر لها ، إنّها قد سُلبت منهم ، وضاعت إلى الأبد. يُسرعون إلى نوافذهم ، يفتحون الشّباكَ فيرونَ مشهداً دمويّاً متكاملاً أمام مرآهُم ، جثثٌ مرميّةٌ على الأرض ، تُرابٌ بلون الدماء ، وصرخاتٌ متحشرجة ، تجرحُ حناجرهم في طريقها إلى الإزعاج. أسلحةٌ وقنابلٌ وهتافات. مدرّعاتٌ تقتحم شوارع الأحياء الضيّقة ، الهادئة -في الأمس-.
يركضون إلى أملهم الأخير ، إلى جسر أمانيهم ، حبلُ الله الممتدّ إليهم. يتمسّكون به ، يعرجون قليلاً ثمّ.. يسقطون.
إنّ الحرب قطعته وأسقطتهم.
تسقطُ الحرب..
ينهضُ الأطفال من سقوطهم ، يتقلّدون الشجاعة والبسالة ، يتعرّون من الطفولة ، ويخرجون. يخرج الصغار من بيوتهم -عادةً- أطفالاً مُمسكين بالدمى والحلوى ، مرتدين الابتسامة والفرح. ولكن في هذا اليوم إنهم قد خرجوا شباباً وعادوا من مصنع الرجال رجالاً مُمسكين بالأسلحة وقلادات الجنود المقتولين ، مرتدين لباس الحرب والغضب. ذهبوا أطفالاً وعادوا رجالاً.
هذه فِعلة الحرب وهذه قصة أطفالها ، إنها عصفت بهِم حتى حوّلت هدوءهم إلى زلازل وانفجارات لا تهدأ. إن الحرب بكلّ بساطةٍ ثكلت الطفولة بجعل أطفالها شبّاناً لا يعرفون الحلم والأمنية ، لا يعرفون إلّا الواقع الذي ليس سوى محض حقيقةٍ مرّة.

تعليقات

المشاركات الشائعة