اللقاءُ بالكتاب.

في ذلك اليوم ، عِندما التقيتُ بـ"الكِتاب" احببتُه جداً ، ولأيامٍ عديدة كُنت أمضي كل وقتي معه ، لهّاني عن كوني أنا ، وعرّفني به ، أصبحتُ هُو وتجرّدت منّي ، كرهتُني وأحببته ، نسيتُ من أكون ومن يكونُ أهلي وأصحابي ، نسيتُ أين أكون ومتى أكون ، يا الله من أنا..؟!

وهكذا عشت ميّتة ، ضائعة ، لا أعلمُ من أنا ولكنني أعيش ، أُجاري حياتي التي لا أفقهُ منها سِوى الكِتاب..
مضت الأيام ، حتى سئمتُ هذه الحياة ، فقررتُ الموت أو الأحرى الإنتحار ، فما الجدوى من عيش حياةٍ مزيّفة أُجاريها فقط ، سأنتحر وأُهدي روحي فداءً للكتاب ، تماماً ، هذا ماسوف أفعله..

قُمت بالبحث عن هذا الكِتاب الذي غيّر حياتي بأكملِها ، وجدتُه بعد بحثٍ طويل ، وجدتهُ بين أكوام الكُتب وتحت جِبال التّراب ، تبدو هذه الكُتب وكأنّها هُجرت من آلاف السّنين ، إلا كتابي ، رُغم الغبار الذي تكدّس عليه إلا أنّه كان نظيف وكأنه جديد..
أخذتُه ، وذهبتُ لبعيد ، حيثُ لا أحد سواه معي ، أخبرتُه بما أنوي فعلُه ولم يقُل شيئاً ، فهذا يعني أنّه قد تقبّل قُرباني ، فأخرجتُ أداة قتلي ، القلم ، أخذتهُ فغرزته في رقبتي ليشرب كلّ الدّم الذي أحتويه ، ويستنزف روحي منّي ، ثمّ يبثّها في الكِتاب ، حالما يقعُ عليه ، ويُكتب به فيه ، وبهذا قد قدّمت قُرباني للكِتاب المبجّل ، هنا انتهت مُهمّتي بأن أتصنّع الحياة ، فالكِتاب يضمّني بين دفتيه الآن..

بعد مُرور الزّمن أحسستُ بألمٍ في جسدي ، جسدي الميّت دون روح قد بثّت فيه الحياة من جديد ، أحسستُ بألمٍ شديد يكاد يمنعني من الحَراك ، فشعرتُ بأن هناك أمرٌ ما ، لا بُد من أنها روحي ، ولكن ممّ تتألم؟ ؛ فقد جرّدتها من ألم الحياة ووضعتُها في ذلك الكِتاب ، ماذا حلّ بها..؟!  
  
بحثتُ عن الكِتاب ولم أجِده ، حاولتُ اتّباع حدسي حتى أستطيع إيجاد روحي الباكِية ، وبقيتُ هكذا لزمنٍ طويلٍ جداً ، أمشي عمياء باحثةً عن روحي ، والألم كل دقيقةٍ يزدادُ في روحي ويستنزِفها..

وفي نهاية المطاف سمعتُ أنيناً صادراً من العدم ، حاولتُ اتّباع الصّوت علّني أجدُ مصدره ، بحثتُ وبحثتُ حتى وجدتُه ، كان كِتاباً موجوداً في حُفرةٍ عميقةٍ أشبهُ بالقبر ، إنّه كتابي! الأنينُ يصدر منه! وجدتُ روحي فسارعتُ إليها ، جازفتُ وقفزتُ إلى داخل الحُفرة والتقطتُ الكِتاب ، فتحتُه فرأيتُ عيناً تبكي ،  تُنادي بأعلى صوتها ، تنتظر إنقاذها ، والسّلاسل تحوط بيديها ورجليها ، سلاسلاً من حُروف ، فسألتها لمَ تبكي ، والحُزن يقطّع قلبي شفقةً عليها ، فقالت لي:"استغلَني هذا الكِتاب ، أخذ الإكسير والحياة منّي ، ثمّ رماني وحيدةً مشرّدةً ، كان كِتاباً وغداً يَتظاهر بالمحبة والإفادة لي ولكنّه لم يرِد منّي سوى إكسير الحياة ، خلّصيني من هذه الأغلال يا أنا ، "ردّي الحياة إليكِ ، وموّتي هذا الكِتاب المكّار"

تعليقات

المشاركات الشائعة