عرّيسُ الطفوفِ

تحتَ سِتار الخيمة ، كانَت واقفة..

تنظُر يميناً وشِمالاً ، تبحثُ عن روحِها ، عن ابن أبيها الذي يُقاتل هُناك..

ترى الخيل يُعجّ الميدان ، صَرخاتٌ ترتفع ، امتلأت عيناها بِصور المعركة ؛ ولكنّها لمّا تنظُر أخاها بعد..

أرادت أن تُناديه ، أن تصرُخ بإسمه ولكن الخوف خنقها ، امتصّ صوتها؛ فظلّت تنظر ، تبحث ، ببُكاء..

وجدته ، يُحارب بشجاعة ؛ رأت فيهِ والِدها ، وجدّها ؛ ابتسمت؛ لأنها وجدته. ابتسمت رُغم ألمها ابتسامةً مجروحةً متألمة.

عجّ الميدانُ من جديد ، علا صوتُ صهيل الخيل.

لم تعُد تراه ، راودها الخوف , شعور الفراق سيطر عليها.

سمعَت صوتاً  يصرُخ "أي عمّاه!.."

تراكضت عُيونُها ، تتفحصُ الوُجوه ، تبحثُ عن وجهِه ؛ وجدته..

رأتهُ معفّراً بالتُراب ؛ الدِماء تنزُف منه كسيل النّهر ، وعمّه يركض إليه..

وضعَ رأس أخاها في حِجره "بُعداً لقومٍ قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة جدّك وأبوك"

أسودّت الدّنيا في عينِها..

رأت عمّها مقبلاً ، حاملاً جسد صبيّ ، عرفت ، بدأ عزاؤها..

وُضع الجسد في الخيمة ، جلست بجانبه ، مسحت التُراب من على وجهه ، غسّلته بالدّموع "وا قاسِماه.."

ضمّته ضمة الوداع الأخير "في أمان الله ياعَريس الطُفوف.."
سأُطفِئ شموعكَ وحدي , أنا والليل وبكائي.

تعليقات

المشاركات الشائعة