تعوّذ يتيمة.

كُنت في الخيمة , اختبِئ تحت عباءة عمّتي -حرزي من الخوف-.
وضعتُ يديَ الصغيرتين على أذُنيَّ كي لا أستمع صهيل الخيل , وتشابُك الرِماح , واشهار السيوف..
ولا سقوط الرِجال , ولا صراخ الثكالى , لأوهم نفسي -بأمل الطُفولة- بأنّ عائلتي مازالت بخير..

عند الظُهر:
العطشُ والخوف تمكّنا منّي , سقيتُني سخاء دموعي , ومسحتُ على رأسي بيدي  كما كان أبي يفعل. أنا طفلة , أوقن ذلك , ولكن كذِبي على نفسي لا يُجدي ..
راحَ الحُسين.. أيُّ أمانٍ بعده!؟

رأيتُه مطروحاُ , والله رأيته , رأيتُ رجساً يتربّعُ على صدره , على صدرٍ كان يُقبّله رسول الله..
رأيتُه , رأسه مرفوعاً على أسنّة الرماح , سمعته يُرتّل ذكر ربه , دماؤُه تقطر على الأرض..
في رأسه المرفوع , تجلّت هيبةُ الإسلام , التي سُلبت بأيدٍ قذِرة..

على الرمضاء ظلّ جسده مطروحاً , أتت الأعوجيّة من مخيّم الأرجاس , عجّجت التُّراب حتى لم أعُد أراه , وكأنها تحجبُ عني فجيعة القتل الكُبرى , رحمةً بطفولتي.. -وكأن للرجمة مكاناً عندهم-.

ركضت على صدره , ذهاباً وإياباً , دهست صدره , هشّمت ضلوعَه , أدمت جسّده..
هذا نفسُ الرسول , يُقتل , يُداس.. 




أقبلت العِدى على خِيامنا , أوجرت النّار فيها , وصرنا بين راكضٍ وهارب..
ها نحن -آل النبي- نُقتل , نُشرّد..
تعالى الدُخان حتى خنق صدر السّماء , لم أعد أرى , أين عمتي؟ أبحثُ عنها دون أن أجدها..
أُحاول الحث عن أخواتي , لا أجدهم , لا أرى أحداً سوى وجوه دميمةٍ مُسودّة. ولم أسمع سوى صرخات أهلي وصرخات شمرٍ وزجر والأرذال..
لم أجدها , وكان الرجال ينالون منا , ركضتُ بعيداً , وأنا أصرخ بإسم عمّتي زينب تارةً وطوراً أبكي ضياعي.

سمعتُ صوت السِياط والبُكاء , أعمَتني دُموعي , ركضتُ دون أن أرى أمامي , ولكنني أركض , سوط السياط يفزعني..
سمعتُ خطوات أحدهم خلفي , أدرتُ وجهي وإذا برجسٍ يلحقني , شاهراً -سوطه-
ازداد خوفي , اسرعت , راكضةً في الفيافي في اللا أدري من الأرض. لم أنتبه لصخرةٍ على الأرض , أسقطَتني , اقترب مني الرذِل..
انهالَ عليَ ضرباً بالسوط , ركلَني , سلب قرط أُذني , وصفَعني "هذا لأنكِ ابنة الحُسين"
ضربني كثيراً , حتى ظننتُ أنني رحتُ للحُسين , عرجت مثله..

فتحتُ عيني , لا زلتُ على قيد موت الحياة. . كان الظلامُ قد حل , وأنا في وسط الصحراء , ضائِعة..
ولكنني استشعرت عمي بجانبي , يدلّني على مخيّمنا المحروق..
مشيتُ وأنا أدهسُ على آلامي , أطِئ برجلي المقرّحة على حرارة جراحي..
"عمّتاه" صرختُ حالما وصلتُ للمخيم , ركضتُ فوراً تحت عباءتها , أبكي بحرارة , لتتفهَم قصّتي برواية دموعي..
هدّأتني , ربتت على صدري , كُنت متعبة جداً , قالت لي بأن أنام , مع اخوَتي..
أغمضتُ عيني "أعوذُ بالله من الشِمر.."

تعليقات

المشاركات الشائعة